للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الحسن، والنخعي، إن الذي أمرنا أن نرزقهم منه عند القسمة هو الأعيانُ المنقولة كالذهب، والفضة، وأما الأرضون، والرقيق، وما أشبه ذلك فلا يجب أن يعطوا منها شيئًا، بل يكتفي حينئذ بقول المعروف، أو بإطعام الطعام.

٩ - قوله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} هو خطاب (١) مع الذين يجلسون عند المريض فيقولون له: إن ذريَتك وورثتَك لن يغنوا عنك من عذاب الله شيئًا، فأوص مالَك لفلان، ولفلان، ولا يزالون يأمرونه بالوصية إلى الأجانب إلى أن لا يَبْقَى من ماله للورثة شيءٌ أصلًا.

وحاصل الكلام: أنك لا ترضى مثل هذا الفعل لنفسك، فلا ترضه لأخيك المسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

والمعنى: وليخف الله تعالى الذين يجلسون عند المريض، ويأمرونه بإيصاء كل ماله، وليْتَّقُوا الضياعَ والفقرَ على أولاد ذلك المريض، الذي أمروه بإيصاء كل ماله؛ كما أنهم يخافون الضياع، والفقر على أولاد أنفسهم، لو أوصوا بجميع مالهم، وتركوا من بعد موتهم ذريةً ضِعافًا، وقوله: {ضِعَافًا} بمعنى صغارًا لا يقومون بأمرهم، يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لأجل الكسرة، وجاز ذلك مع حرف الاستعلاء؛ لأنه مكسور مقدم، ففيه انحدار، وقوله: {خَافُوا} يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة؛ لأن الخاء تنكسر في بعض الأحوال، وهو خفت، وهو جواب لو، ومعناها إن. ذكره أبو البقاء. {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ}؛ أي: فليخافوا عقابَ الله في أمر ذلك المريض بإيصاء كل ماله، وترك أولاده عالة يتكففون الناسَ {وَلْيَقُولُوا} لذلك المريض {قَوْلًا سَدِيدًا}؛ أي: قولًا عدلًا صوابًا بأن يقولوا له: إنك إن تذَر ورثتَك أغنياء خيرٌ لك من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس، فالقول السديد: هنا أن يأمروه أن يخلفَ ماله لولده، ويتصدق بما دون الثلث، أو الثلث، ويأمروه أن يتخلص من حقوق الله، وحقوق العباد، وأن


(١) المراح.