للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مضطرًا حلَّ له تناوله، ويكون مثل أكل الميتة، وشرب الخمر ونحوهما، وإلا لم يحل ذلك.

إذ الربا يضر بإيمان المؤمنين، وإن كان زيادةً في مال الرابي؛ فهو في الحقيقة نقصانٌ: لأنَّ الفقراء الذين يأخذ أموالهم بهذا التعامل؛ إذا شاهدوه، يلعنونه ويدعون عليه، وبذلك يسلب الله الخير من يديه عاجلًا أو آجلًا في نفسه وماله، وتتوجه إليه المذمة من الناس لقساوة قلبه وغلظ كبده. وقد ورد في الأثر "إنَّ آخذ الربا لا يقبل منه صدقةٌ، ولا جهادٌ ولا حج ولا صلاة". وقرأ ابن كثير، وابن عامر {أضعافًا مضعَّفة} بتشديد العين بلا ألف قبلها. ثم أكد النهي فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}؛ أي: خافوا عقاب الله أيها المؤمنون فيما نهيتم عنه من أكل الربا، وغيره فلا تأكلوه، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ أي: لكي تنجوا من عذابه وسخطه، وتظفروا بثوابه في الآخرة. لأن الفلاح يتوقف على التقوى، فلو أكل، ولم يتق؛ لم يحصل الفلاح. وفيه دليل على أنَّ أكل الربا من الكبائر،

١٣١ - ولهذا أعقبه بقوله: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) أي: واخشوا أيها المؤمنون النار الأخروية التي هيئت للكافرين بالتحرز عن متابعتهم، وتعاطي أفعالهم؛ فلا تستحلُّوا شيئًا مما حرم الله، فإن من استحل شيئًا مما حرم الله .. فهو كافر بالإجماع، ويستحق النار بذلك.

وفيه (١) تنبيه على أن النار بالذات معدة للكفار، وبالعرض للعصاة.

قال أبو حنيفة (٢): هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين، إن لم يتقوه في اجتناب محارمه،

١٣٢ - وقد أمدَّ ذلك بما أتبعه من تعليق رجاء المؤمنين لرحمته بتوفرهم على طاعته، وطاعة رسوله بقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ}، وامتثلوه فيما يأمركم به، وينهاكم عنه من أخذ الربا وغيره {وَ} أطيعوا {وَالرَّسُولَ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أيضًا، فإن طاعته طاعة الله. قال محمَّد ابن إسحاق (٣):


(١) المراغي.
(٢) البيضاوي.
(٣) النسفي.