مدبر أمر ما في السموات والأرض ومصرفه، وخالق من فيهما ومالكه، لا يمتنع عليه شيء مما أراده فيهما؛ لأن ذلك كله في ملكه وإليه أمره. ومن حكمته أنّه وضع هذا العقاب لكل من يسرق ما يعد به سارقًا، كما وضع العقاب للمحاربين المفسدين في الأرض، وأنَّه يغفر للتائبين من هؤلاء وهؤلاء، ويرحمهم إذا صدقوا في التوبة وأصلحوا عملهم و {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} تعذيبه من العصاة تربية له، وتأمينًا لعباده من شره وأذاه. {وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} المغفرة له من التائبين برحمته وفضله، ترغيبًا لهم في تزكية أنفسهم. قال ابن عباس (١) رضي الله عنهما: يعذب من يشاء على الصغيرة، ويغفر لمن يشاء على الكبيرة، وقيل: يعذب من يشاء على معصيته وكفره بالقتل والقطع وغير ذلك في الدنيا، ويغفر لمن يشاء بالتوبة عليه، فينقذه من الهلكة والعذاب، وإنما قدم التعذيب على المغفرة لأنَّه في مقابلة قطع السرقة على التوبة.
{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ أي: قادر على تعذيب من أراد تعذيبه من خلقه، وعلى غفران ذنوب من أراد إسعاده وإنقاذه من الهلكة من خلقه؛ لأنَّ الخلق كلهم عبيده، وفي ملكه، فلا يعجزه شيء في تدبير ملكه.
٤١ - {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} خاطب الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} في مواضع كثيرة من القرآن، وما خاطبه بيا أيها الرسول إلا في موضعين، هما: في سورة المائدة في هذا الموضع، وموضع آخر بعده وهو قوله:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وهذا الخطاب للتشريف والتعظيم، وتأديب المؤمنين وتعليمهم أن يخاطبوه بوصفه كما كان يفعل بعض أصحابه بقولهم: يا رسول الله، وجهل هذا بعض الأعراب لخشونتهم وسذاجة فطرتهم فكانوا ينادونه؛ يا محمَّد، حتى أنزل الله:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} فكفوا عن ندائه باسمه. والحاصل: أن نداءه بيا أيها النبي وبيا أيها الرسول نداء تشريف وتعظيم وتفخيم لقدره، ونادى غيره من الأنبياء باسمه فقال:{يَا آدَمُ اسْكُنْ}{يَا نُوحُ اهْبِطْ} {يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ}، {يا عِيسَى إِنِّي