مجاز التغليب، حيث استعمل {من} وهي لمن يعقل في غيره، لوقوعه تفصيلًا لما يعمهما، وهو كل دابة. وفيه أيضًا مجاز التشبيه إذ إسناد ما ذكر إلى الحية، زحف لا مشي، لكنه يشبهه في السير. اهـ.
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر، فيفعل ما يشاء كما يشاء، فلا يمنعه مانع؛ أي: إن الله على إحداث ذلك وخلقه وخلق ما يشاء من الأشياء لذو قدرة تامة، فلا يتعذر عليه شيء أراده. وعلى الجملة فاختلاف هذه الحيوانات في الأعضاء والقوى ومقادير الأبدان والأعمال. والاختلاف لا بد أن يكون بتدبير مدبر حكيم مطلع على أحوالها، وأسرار خلقها, لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء، تعالى الله عما يقول الجاحدون علوًا كبيرًا.
٤٦ - {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أنزلنا عليك يا محمد دلائل واضحات، على طريق الحق والرشاد، لكن لا يصل إلى فهمها إلا من أوتي بصيرة نيرة، وفطرة سليمة تضيء له الفكر، حتى يسير على نهج الحق، ويبتعد عن الغي والضلال.
ومن ثم قال:{وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {يَهْدِي} ويرشد {مَنْ يَشَاءُ} هدايته {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ أي: إلى طريق سويٍّ لا اعوجاج فيه، موصل إلى الجنة، وإلى رضا الله سبحانه، وهو إخلاص العبادة له وحده، والإنابة إليه.
٤٧ - {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ}؛ أي: ويقول هؤلاء المنافقون: صدقنا بالله وبالرسول. قال مقاتل: نزلت هذه الآية في بِشْرٍ المنافق، خاصم يهوديًا في أرض، فدعاه إلى كعب بن الأشرف من أحبار اليهود، ودعاه اليهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تحاكما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحكم لليهودي، فلم يرض المنافق بقضائه عليه السلام، فقال: نتحاكم إلى عمر - رضي الله عنه -، فلما ذهبا إليه، قال له اليهودي: قضى لي النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرض بقضائه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: بلى. فقال: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل عمر - رضي الله عنه - بيته، وخرج بسيفه، فضرب به عنق المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي،