للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سدى؛ لأنّهم عملوا لغير الله تعالى وأتعبوا أنفسهم في غير ما يرضي الله تعالى، فتصير أعمالهم وبالا عليهم، ولا يجزون إلا جزاء ما استمروا على عمله من الكفر والمعاصي، فأثر في نفوسهم وأرواحهم، حتى دساها وأفسدها، فقد مضت سننه تعالى بجعل الجزاء في الآخرة أثرا للعمل، مرتبا عليه، كترتيب المسبب على السبب {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} في جزائه مثقال ذرة

١٤٨ - {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى}؛ أي: وصاغ بنو إسرائيل {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من بعد إنطلاق موسى عليه السلام وذهابه إلى الجبل لمناجاة ربه، وفاء للموعود الذي وعده إياه {مِنْ حُلِيِّهِمْ}؛ أي: من حلي القبط وذهبهم التي استعاروها منهم لعلة العرس {عِجْلًا}، أي: تبيعا وأبدل منه قوله: {جَسَدًا}؛ أي: جرما وتمثالا، لدفع توهم أنّه صورة عجل منقوشة على حائط مثلا {لَهُ خُوارٌ}؛ أي: له صوت مثل صوت تبيع البقر؛ أي: صاغ لهم موسى السامري - رجل منهم، وكان رجلا مطاعا فيهم، ذا منزلة واحترام؛ لأنّه رباه جبريل في الجبل -، {مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا} وتمثالا على صورة عجل البقر، له صوت وصياح، فقال لهم: هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه، وإنّما نسب الاتخاذ إليهم - مع أن الصائغ له هو موسى السامري - لأنّه عمله برأي جمهورهم الذين طلبوا أن يجعل لهم إلها يعبدونه.

قيل (١): إن بني إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه، ويستعيرون من القبط الحلي، فلما أغرق الله القبط بقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، وصارت ملكا لهم، فجمع السامري تلك الحلي - وكان رجلا مطاعا فيهم، صائغا - فصاغ السامري عجلا، وأخذ كفا من تراب حافر فرس جبريل عليه السلام، فألقاه في جوف ذلك العجل، فانقلب لحما ودما، وظهر منه الخوار مرة واحدة، فقال السامري: هذا إلهكم وإله موسى عليه السلام، وكان (٢) اسم السامري موسى بن ظفر، من قرية تسمى سامرة، وكان ابن زنا، وضعته أمه في جبل فأرسل الله جبريل فصار يرضعه من إصبعه، فكان يعرفه إذا نزل إلى الأرض، فلما نزل جبريل يوم غرق فرعون، وكان راكبا فرسا، فكان كل شيء وطئه بحافرها يخضر


(١) المراح.
(٢) الصاوي.