للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الملائكة، أمر إهانة وإبعاد، كما في قوله تعالى: {قَالَ اذْهَبْ}، وخروجه (١) من الجنة لا ينافى دخولها بطريق الوسوسة، وكذا يستلزم خروجه من السموات أيضًا {فإنك رجيم}؛ أي: مطرود من رحمة الله، ومن كل خير وكرامة، من الرجم بالحجارة؛ لأن من يطرد يرجم بالحجارة، أو من الرجم بالشهب، وهو كناية عن كونه شيطانًا؛ أي: من الشياطين الذين يرجمون بالشهب، والفاء في قوله: {فَاخْرُجْ} واقعة في (٢) جواب شرط مقدر؛ أي: فحيث عصيت وتكبرت فأخرج منها، وفي قوله: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} تعليلة.

٣٥ - {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ}؛ أي: الطرد والإبعاد عن الرحمة، أو إن عليك لعنتي كما في سورة ص، فأل عوض عن المضاف إليه، فاختلاف العبارة للتفنن فلا اعتراض.

{إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}؛ أي يوم الجزاء؛ أي: إنك مدعو عليه باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الحساب، من غير أن يعذب، فإذا جاء ذلك اليوم .. عذب عذابًا ينسى اللعن معه، فيصير اللعن حينئذٍ كالزائل، بسبب أن شدة العذاب تذهل، أو المعنى: عليك الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه مستمرًّا عليك لازمًا لك إلى يوم الجزاء، وهو يوم القيامة، وجعل يوم القيامة غاية للعنةٍ لا يستلزم انقطاعها في ذلك الوقت؛ لأن المراد دوامها من غير انقطاع، وذكر يوم الدين للمبالغة، كما في قوله تعالى: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} في التأبيد، ويؤيده وقوع اللعن في ذلك اليوم كما قال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وهو لعن مقارن بالعذاب الأليم، نسأل الله الفوز والسلامة.

فإن قلت (٣): إن حرف إلى لانتهاء الغاية، فهل ينقطع اللعن عنه يوم الدين، الذي هو يوم القيامة؟

قلتُ: لا بل يزداد عذابًا إلى اللعنة التي عليه، كأنه قال تعالى: وإن عليك اللعنة فقط إلى يوم الدين، ثم تزداد بعد ذلك عذابًا دائمًا مستمرًا لا انقطاع له.


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.