على التثليث بعد ما ظهرت البينات حيث قال:{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ}. ثم ذكر أن المسيح رسول كغيره من الرسل حيث قال:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} وأقام الدليل على ذلك، ثم أبطل مقالة النصارى في عيسى عليه السلام بالحجة والدليل حيث قال:{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}.
قوله تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنَّه سبحانه وتعالى لمَّا بين غلوهم وضلالهم وإضلالهم .. ذكر أسباب ذلك، وأرشد إلى ما أخذهم به، ثم بين سبحانه أسباب استمرارهم على العصيان وتعدي الحدود حيث قال:{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ}.
قوله تعالى:{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...}. الآية، مناسبتها لما قبلها: أنَّه سبحانه وتعالى لما ذكر لنبيه أحوال أسلافهم .. ذكر له هنا أحوال حاضريهم مما يدل على رسوخ تلك الملكات فيهم.
التفسير وأوجه القراءة
٧٢ - ولما حكى الله سبحانه وتعالى عن اليهود ما حكاه من نقضهم الميثاق، وقتلهم للأنبياء، وتكذيبهم الرسل، وغير ذلك .. شرع في الإخبار عن كفر النصارى وما هم عليه من فساد الاعتقاد، فقال تعالى: وعزتي وجلالي {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا} واعتقدوا {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} والمسيح هو الله، وهذا قول اليعقوبية والملكانية من النصارى, لأنَّهم يقولون: إن مريم ولدت إلهًا، ولأنهم يقولون: إن الإله جل وعلا حلَّ في ذات عيسى واتحد بذات عيسى، فصار عيسى إلهًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا: لقد كفروا وضلوا ضلالًا بعيدًا؛ إذا هم في إطرائه ومدحه غلوا أشد من غُلُوّ اليهود في الكفر به وتحقيره وقولهم عليه وعلى أمه الصديقة بهتانًا عظيمًا، وقد صارت هذه المقالة أعني مقالة الاتحاد هي المقالة الشائعة عندهم، ومن عدل عنها عد مارقًا من الدين.