وفي الآية دليل على أنّ من كان مؤمنًا، لا يحبّ الفسق والمعصية، وإذا ابتلي بالمعصية .. فإنّ شهوته وغفلته تحمله على ذلك، لا لحبّه للمعصية، بل ربّما يعصي حال الحضور؛ لأنّ فيه نفاذ قضائه تعالى.
٩ - {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}؛ أي: تقاتلوا، والجمع حيث لم يقل: اقتتلتا على التثنية والتأنيث باعتبار المعنى؛ لأنّ كل طائفة جمع، فهي بمعنى القوم، نظير قوله تعالى:{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا}، وبه قرأ الجمهور (١). وقرأ ابن أبي عبلة:{اقتتلتا} بالتثنية والتأنيث اعتبارًا بلفظ {طَائِفَتَانِ}، وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير:{اقتتلا} بالتثنية، وتذكير الفعل باعتبار الفريقين والرهطين، والطائفة من الناس: جماعة منهم، لكنها دون الفرقة، كما دلّ عليه قوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}. و {طَائِفَتَانِ}: فاعل فعل محذوف وجوبًا؛ لا مبتدأ؛ لأنّ حرف الشرط لا يدخل إلا على الفعل لفظًا أو تقديرًا، والتقدير: وإن اقتتل طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فحذف الأول؛ لئلا يلزم اجتماع المفسّر والمفسّر، وأصل القتل: إزالة الروح عن الجسد بأيّ طريق كان.
{فَأَصْلِحُوا} أيها المؤمنون {بَيْنَهُمَا}؛ أي: بين تينك الطائفتين بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى، وثنّى الضمير باعتبار لفظ الطائفتين، والصلاح: الحصول على الحالة المستقيمة النافعة، والإصلاح: جعل الشيء على تلك الحالة، والإصلاح بين الناس إذا تفاسدوا من أعظم الطاعات، وأتمّ القربات، وكذا نصرة المظلوم، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: من وصل أخاه بنصيحة في دينه، ونظر له في صلاح دنياه .. فقد أحسن صلته، وقال مطرّف: وجدنا أنصح العباد لله الملائكة، ووجدنا أغشّ العباد لله الشياطين، ويقال: من كتم السلطان نصحه، والأطبّاء مرضه، والأخوان بثّه .. فقد خان نفسه.
{فَإِنْ بَغَتْ}؛ أي: تعدّت واستطالت {إِحْدَاهُمَا}؛ أي: إحدى الطائفتين وكانت مبطلة {عَلَى الْأُخْرَى} وكان محقة، ولم تتأثر الباغية بالنصيحة {فَقَاتِلُوا الَّتِي