للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمور الدنيوية المبنية على التجارب من قبيل التشريع، كامتناعهم عن تلقيح النخل حين نهاهم عنه فأشاص - أي خرج ثمره شيصا رديئا - فراجعوه فأخبرهم أنّ مقاله كان عن ظن ورأي، لا عن تشريع ووحي، وقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». والحكمة في ذلك تنبيه الناس إلى أن مثل هذه الأمور الدنيوية والمعاشية متروكة لمعارف الناس وتجاربهم.

١٥٩ - قوله: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى} كلام مستأنف، مسوق لدفع ما عسى أن يتوهم من تخصيص كتابة الرحمة بمن يتبع محمدا صلى الله عليه وسلّم، وذلك المتوهم هو حرمان قوم موسى من كل خير، وبيانه أنّهم ليسوا كلهم يحرمون منها، بل من قوم موسى {أُمَّةٌ}؛ أي: جماعة عظيمة {يَهْدُونَ} الناس ويرشدونهم، ويدعونهم إلى الخير والهدى حالة كونهم متلبسين {بِالْحَقِّ} والعدل الذي جاء به موسى عليه السلام من عند الله تعالى {وَبِهِ}؛ أي: وبالحق الذي جاء به موسى لا بغيره {يَعْدِلُونَ}؛ أي: يحكمون بين الناس حكما عدلا موافقا للصواب إذا حكموا بين الناس، فلا يتبعون هوى، ولا يأكلون سحتا ولا رشا، واختلف (١) في هؤلاء القوم، فقيل: هم الذين أسلموا من بني إسرائيل، كعبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل: هم قوم بقوا على الدين الحق الذي جاء به موسى عليه السلام قبل التحريف والتبديل، ودعوا الناس إليه، فإن (٢) قيل: إن هؤلاء القوم كانوا قليلين في العدد ولفظ الأمة ينبىء عن الكثرة؟ فالجواب: أنّهم لما أخلصوا في الدين جاز إطلاق الأمة عليهم كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً}. اه كرخى.

١٦٠ - {وَقَطَّعْناهُمُ}؛ أي: وفرقنا قوم موسى الذين كان منهم {أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ومنهم الظالمون والفاسقون فجعلناهم {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطًا}؛ أي: جعلناهم اثنتي عشرة فرقة تسمى أسباطا؛ أي: قبائل، وصيرناهم {أُمَمًا}؛ أي: جماعات، يمتاز كل منهم بنظام خاص في معيشته، وبعض شؤونه؛ لأنّ كل سبط كان أمة عظيمة، وسبب (٣) تفرقهم اثنتى عشرة أسباطا أنّ أولاد يعقوب كانوا


(١) الخازن.
(٢) الفتوحات.
(٣) الفتوحات.