في الظلمات، إذ المقصود من إيجاد العوالم وإنشاء النشآت كلها ظهور الإنسان الكامل، وقد حصل وهو الواحد الذي كالألف وهو السواد الأعظم، فلا تقتضي الحكمة إتفاق الكل على الحق؛ لأن لله تعالى جمالًا وجلالًا لابدّ لكليهما من أثر.
والمعنى: هذا القرآن الذي نتلوه عليك كتاب أنزلناه إليك أيها الرسول؛ لتنقذ (١) الناس من ظلمات الضلالة والكفر إلى نور الإيمان وضيائه، وتبصَّر به أهل الجهل والعمى سبيل الرشاد والهدى بما اشتمل عليه من واضح الآيات البينات المرشدة إلى النظر في حقائق الكون الدالة على وحدانية الله تعالى، وأنه لا شريك له، وأن الواجب عبادته وحده، ثم دعاؤه لجلب النفع وكشف التفسير، وفيها أيضًا سعادة البشر وصلاحهم في الدنيا والآخرة بإذن ربهم، وتوفيقه ولطفه بهم لإرسال نور الهدى إلى قلوبهم، فيسلكون طرق الفلاح والصلاح.
وقوله:{إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} بدل من قوله: {إِلَى النُّورِ} بتكرير العامل وإضافة الصراط إلى العزيز، وهو الله على سبيل التعظيم له، والمراد به: دين الإِسلام، فإنه طريق موصل إلى الجنة والقربة والوصلة، والعزيز: الغالب الذي ينتقم لأهل دينه من أعدائهم، والحميد: المحمود الذي يستوجب بذلك الحمد من عباده.
والمعنى: لتخرج الناس إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الذي ارتضاه الله لخلقه وشرعه لهم؛ وهو العزيز الذي لا يغالب المحمود في جميع أفعاله وأقواله وأمره ونهيه. ونحو الآية قوله تعالىِ:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ...} الآية، وقوله:{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ...} الآية. وقوله:{اللَّهِ} بالجر عطف بيان لـ {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}؛ لأنه علم للذات الواجب الوجود الخالق العالم،
٢ - وقوله:{اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} من الموجودات من العقلاء وغيرهم صفة للجلالة؛