للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: فكر في حاله، وأخبرني عن شأنه هل عنده علم الغيب، أم لا؟.

والمعنى (١): أي أعلمت شأن هذا الكافر، وهل بلغك شأنه العجيب؟ فقد أشرف على الإيمان, واتباع هدى الرسول، فوسوس له شيطان من شياطين الإنس بأن لا يقبل نصح الناصح، ويرجع إلى دين آبائه، ويتحمل ما عليه من وزر إذا هو أعطاه قليلًا من المال، فقبل ذلك منه، لكنه ما أعطاه إلا قليلًا، حتى امتنع من إعطائه شيئًا بعد ذلك. أفعنده علم بأمور الغيب، فهو يعلم أن صاحبه يتحمل عنه ما يخاف من أوزاره يوم القيامة.

وقصارى ذلك (٢): أخبرني بأمر هذا الكافر، وحاله العجيبة. إذ قبل أن سواه يحمل أوزاره، إذا أدى له أجرًا معلومًا أأنزل عليه وحي فرأى أن ما صنعه حق؟.

٣٦ - ثم أكد هذا الإنكار، فذكر أن الشرائع التي يعرفونها على غير هذا، فقال: {أَمْ} منقطعة بمعنى بل وهمزة الاستفهام؛ أي: بل أهو جاهل {لَمْ يُنَبَّأْ}؛ أي: لم يخبر {بِمَا في صُحُفِ مُوسَى}، أي: أسفار التوراة. جمع صحيفة. وهي التي يكتب فيها،

٣٧ - {وَإِبْرَاهِيمَ} معطوف على موسى؛ أي: وبما في صحف إبراهيم {الَّذِي وَفَّى} صفة لإبراهيم، أي: الذي وفر، وأكمل، وأتم ما ابتلي به من الكلمات، كما مر في سورة البقرة. قال المفسرون؛ أي: بلغ قومه ما أمر به، وأداه إليهم. وقيل: بالغ في الوفاء بما عاهد الله عليه؛ لأنّ التشديد يأتي للتكثير والمبالغة.

وتخصيصه بذلك (٣) لاحتماله ما لم يحتمل غيره كالصبر على نار نمرود، حتى إنه أتاه جبريل حين ألقي في النار، فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. وعلى ذبح الولد، وعلى الهجرة، وعلى ترك أهله وولده بواد غير ذي زرع. ونعم ما قيل هنا: {وَفَّى} ببذل نفسه للنيران، وقلبه للرحمن، وولده للقربان، وماله للضيفان. وروي: أنه كان يمشي كل يوم فرسخًا يرتاد ضيفًا، فإن وجده أكرمه، وإلا نوى الصوم.

وروي: "ألا أخبركم لم سمى الله خليله {الَّذِي وَفَّى}؟ كان يقول إذا أصبح،


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.