للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معدودة نعمًا في الآخرة غير مجذوذة، ومن عرف أنه الشكور شكر نعمته، وآثر طاعته، وطلب رحمته، وشهد منته. قال الغزالي: وأحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا يستعملها في معاصيه، بل في طاعته.

٣١ - {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمد {مِنَ الْكِتَابِ} وهو القرآن، فـ {مِنَ} للتبيين، أو هو اللوح المحفوظ، فـ {مِنَ} للتبعيض، وجملة قوله: {هُوَ الْحَقُّ}؛ أي: الصدق لا كذب فيه، ولا شكّ خبر الموصول حال كونه {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ أي: موافقًا لما قبله من الكتب السماوية المنزّلة على الأنبياء في العقائد وأصول الأحكام، وهو حال مؤكدة؛ أي: أحقه مصدقًا؛ لأنَّ حقيّته لا تنفكّ عن هذا التصديق {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه {بِعِبَادِهِ} متعلق بقوله: {لَخَبِيرٌ}؛ أي: محيط ببواطن أمورهم {بَصِيرٌ}؛ أي: عالم بظواهرها، وقدّم الجار والمجرور لرعاية الفاصلة التي على حرف الراء، فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوّة .. لم يوح إليك مثل هذا الحق المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب، يعرف صدقها منه، وتقديم الخبير للتنبيه على أن العمدة في ذلك العلم والإحاطة هي الأمور الروحانية.

المعنى (١): أي إن القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد هو الحق من ربك، وعليك وعلى أمتك أن نعمل به، وتتّبع ما فيه دون غيره من الكتب التي أوحيت إلى غيرك، وهو مصدق لما مضى بين يديه مما أنزل إلى الرسل من قبله، فصار إمامًا لها، إن الله سبحانه خبير بأحوال عباده بصير بما يصلح لهم، فيشرّع لهم من الأحكام ما يناسب أحوال الناس في كل زمان ومكان، ويرسل من الرسل من هو حقيق بتبليغ ذلك للناس {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.

٣٢ - {ثُمَّ} للترتيب والتأخير؛ أي: بعدما أوحينا إليك، أو بعد كتب الأولين، كما دلّ ما قبله على كل منهما، وسئل سفيان الثوري على ماذا عطف بقوله: {ثُمَّ}؟ قال: على إرادة الأزل، والأمر المقضي؛ أي: بعدما أردنا في الأزل. {أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}؛ أي: ملكنا بعظمتنا ملكًا تامًا، وأعطينا هذا القرآن عطاءً لا رجوع فيه. {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} المفعول الأول لـ {أَوْرَثْنَا} الموصول، والمفعول الثاني {الْكِتَابَ}، وإنما قدّم المفعول الثاني لقصد التشريف والتعظيم للكتاب.


(١) المراغي.