للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٦١ - {وَمَا تَكُونُ} أيها الرسول الكريم {فِي شَأْنٍ} أي في أمر من أمورك الهامة، خاصة كانت أو عامة مما تعالج بها شؤون الأمة بدعوتها إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، إنذارًا لها وتبشيرًا وتعليمًا وعملًا {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ}؛ أي: من أجل ذلك الشأن {مِنْ قُرْآنٍ}؛ أي: قرآنا أنزل عليك تعبدًا به، أو تبليغًا له. فالضمير (١) في {مِنْهُ} إما عائد إلى الشأن، وعلى هذا فمن تعليلية؛ أي: وما تتلو قرآنًا من أجل الشأن الذي نزل بك وحدث لكون الذي تقرؤه نزل في شأنه، أو عائد إلى الله وعلى على هذا فمن ابتدائية؛ أي: وما تتلو قرآنًا مبتدأً من الله، تعالى، ونازلًا من عنده و {من} في قوله: {مِنْ قُرْآنٍ} زائدة عل كلا الوجهين، فالحاصل أن الثانية زائدة ولا بد، والأولى إما تعليلية، أو ابتدائية على حسب الوجهين اللذين ذكرنا. وفي التعبير (٢) بالشأن وهو الأمر ذو البال، دلالة على أن جميع أموره، - صلى الله عليه وسلم -، كانت عظيمة، حتى ما كان منها من مجرى العادات لأنه، - صلى الله عليه وسلم -، كان فيها قدوةً صالحةً.

وبعد أن خاطب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، انتقل إلى خطاب الأمة كلها في شوونها وأعمالها، فقال: {وَلَا تَعْمَلُونَ} أيها الرسول وأيتها الأمة {مِنْ عَمَلٍ}؛ أي: أي عمل خيرًا كان أو شرًّا، شكرًا كان أو كفرًا، وإن كان كمثقال ذرة. والاستثناء في قوله: {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة أعني: تكون تتلو تعملون؛ أي: ما تتلبسون بشيء من الأفعال الثلاثة في حال من الأحوال إلا في حال كوننا شهودًا عليكم، أي: رقباء مطلعين عليه حافظين له {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: تشرعون في ذلك المذكور من الأفعال الثلاثة السابقة وتخوضون فيه فنحفظه عليكم ونجازيكم به فإذ ظرف لشهودا. وفي التعبير بالأمكنة دليل على أن ما يفيض الإنسان مهتمًا به مندفعًا فيه جدير بأن لا يغفل عن مراقبة ربه فيه واطلاعه عليه {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} يا محمَّد أي وما يبعد عن علم ربك ولا يخفى عليه {مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} أي: وزن نملة صغيرة {فِي الْأَرْضِ


(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.