للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنما شرع (١) الجهاد بعد الهجرة إلى المدينة؛ لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر من المؤمنين عددًا، حتى أخرجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرهم وهموا بقتله، وشردوا أصحابه، فذهبت طائفة منهم إلى الحبشة، وذهب آخرون إلى المدينة فلما استقروا بالمدينة، وأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واجتمعوا إليه، وقاموا بنصره، وصارت المدينة لهم دار إسلام، ومعقلاً يلجؤون إليه، شرع الجهاد ونزلت هذه الآية مرخصة فيه.

٤٠ - ثم وصف سبحانه هؤلاء المؤمنين بقوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ}؛ أي: أولئك المظلومون هم الذين أخرجهم المشركون من ديارهم وبلدهم مكة إلى المدينة ظلمًا. {بِغَيْرِ حَقٍّ} بغير استحقاق خروج؛ أي: أخرجوا بغير موجب استحقوا الخروج به، وعذبوا بعضهم، وسبوا بعضًا آخر، وما كان لهم من إساءةٍ إليهم، ولا ذنب جنوه {إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}؛ أي: إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له. قال سيبويه: الاستثناء منقطع؛ أي: لكن لقولهم ربنا الله؛ أي: أخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم، لكن لقولهم ربنا الله. وقال الفراء والزجاج: هو استثناء متصل، والتقدير: الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق، إلا بأن يقولوا: ربنا الله، فيكون مثل قوله سبحانه: {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا} وقول النابغة:

وَلاَ عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوْفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُوْلٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

ونحو الآية قوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} وقوله: في قصة أصحاب الأخدود {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)} ولما كان المسلمون ينشدون حين بناء الخندق:

لاَهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِيْنَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوْا فِتْنَةً أَبَيْنَا

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوافقهم ويقول معهم آخر كل قافية قالوا: إذا أرادوا فتنة


(١) المراغي.