كما يُشعر به ضمير الفصل، وذلك لأن الله سبحانه، أهلك الكفرة بدعائه، ولم يبق منهم باقية، ومن كان معه في السفينة من المؤمنين، ماتوا كما قيل، ولم يبق إلا أولاده، وقد روي: أنه مات كل من كان معه في السفينة، غير أبنائه وأزواجهم، وهم الذين بقوا متناسلين إلى يوم القيامة، قال قتادة: إنهم كلهم من ذرية نوح، وكان له ثلاثة أولاد: سام، وحام، ويافث. فسام أبو العرب، وفارس، والروم، واليهود، والنصارى، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب، وكنعان، والسند، والهند، والنوبة، والزنج، والحبشة، والقبط، والبربر، وغيرهم. ويافث أبو الترك، والخزر، والصقالب، ويأجوج ومأجوج، وما هنا لك.
وهذا هو المشهور على ألسنة المؤرخين (١)، وليس في القرآن ولا في السنة نص قاطع على شيء من هذا، كما أنه ليس في القرآن ما يشير إلى عموم دعوته لأهل الأرض قاطبةً، ولا أن الغرق عم الأرض جميعًا، وأن ما تفيده الآية من جعل ذريته هم الباقون، إنما هو بالنسبة لذرية من معه في السفينة، وذلك لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه، وقد كان في بعض الأقطار الشاسعة، من لم تبلغهم الدعوة، فلم يستوجبوا الغرق، كأهل الصين وغيرهم من البلاد النائية.
٣ - ٧٨ {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ}؛ أي: على نوح، وأبقينا له ثناء حسنًا وذكرًا جميلًا، {فِي الْآخِرِينَ}؛ أي: فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة،
٧٩ - ثم ذكر سبحانه، أنه سلم عليه ليقتدى به، فلا يذكره أحد بسوء، فقال: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩)}؛ أي: وقلنا له: عليك السلام في الملائكة، والإنس، والجن، وعلى هذا التفسير المتروك محذوف، كما قدرنا: والسلام من الله تعالى، وقيل: المتروك نفس قوله: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ}؛ أي: تركنا هذا الكلام بعينه في الآخرين، وارتفاعه على الحكاية كقولك: قرأت سورة أنزلناها، فلم ينتصب السلام، لأن الحكاية لا تغير عن وجهها. والمعنى: يسلمون عليه تسليمًا، ويدعون له على الدوام أمةً بعد أمة. وقوله:{فِي الْعالَمِينَ} على هذا المعنى بدل من قوله: {فِي الْآخِرِينَ} لكونه