للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والخلاصة (١): أي وليس لنا مع ما خصنا الله به من النبوة وشرفنا به من الرسالة أن نأتيكم بآية وبرهان ومعجزة تدل على صدقنا إلا بإذن الله به لنا في ذلك. وبعد (٢) أن أجابهم الأنبياء عن شبهاتهم أخذ المشركون يخوفونهم ويتوعدونهم بالانتقام منهم وإيذائهم قدر ما يستطيعون، فقال لهم الأنبياء: إنا لا نخاف تهديدكم ولا وعيدكم، بل نتوكل على الله ونعتمد عليه، ولا نقيم لما تقولون وزنًا، ولا نابه به، وهذا ما إشار إليه سبحانه بقوله حكاية عنهم: {وَعَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى وحده دون ما عداه مطلقًا {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} في دفع شرور أعدائهم عنهم، وفي الصبر على معاداتهم؛ أي: وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله تعالى، فلنتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم. وقرأ الحسن شذوذًا بكسر لام الأمر في قوله: {فَلْيَتَوَكَّلِ} وهو الأصل ذكره في "البحر". وهذا أمر (٣) منهم للمؤمنين بالتوكل على الله دون ما عداه، وكأن الرسل قصدوا بهذا الأمر للمؤمنين الأمر لهم أنفسهم قصدًا أوليًّا،

١٢ - ولهذا قالوا: {وَمَا لَنَا}؛ أي: وأي عذر ثبت لنا في {أَلَّا نَتَوَكَّلَ} ونعتمد {عَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى في دفع شروركم عنا {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}؛ أي: والحال أنه تعالى أرشد كلا منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين، وهو موجب للتوكل عليه ومستدع له. وقرأ الجمهور: {سُبُلَنَا} بضم السين والباء وقرأ أبو عمرو بسكون الباء.

والمعنى: أي: وكيف لا نتوكل على الله وقد هدانا إلى سبل المعرفة، وأوجب علينا سلوك طريقها، وأرشدنا إلى طريق النجاة، ومن أنعم الله عليه بنعمة فليشكره عليها بالعمل بها.

ولمَّا كانت أذية الكفار مما يوجب الاضطراب القادح في التوكل .. قالوا على سبيل التوكيد القسمين مظهرين لكمال العزيمة {وَلَنَصْبِرَنَّ}؛ أي: ونقسم لكم بالله تعالى لنصبرن {عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} في أبداننا وأعراضنا، أو بالتكذيب، ورد الدعوة والإعراض عن الله والعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه،


(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.