للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لهلاكهم، بحسب ما هو مكتوب في اللوح .. بين أن كل أمة منهم ومن غيرهم لها أجلٌ، لا يمكن التقدم عليه ولا التأخر عنه، فقال: {مَا تَسْبِقُ} ما نافية {مِنْ} زائدة؛ أي: ما تسبق أمة من الأمم الهالكة وغيرهم {أَجَلَهَا} المضروب لها، المكتوب في اللوح المحفوظ؛ أي: لا يأتي هلاكها قبل مجيء أجلها المكتوب لها، {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ}؛ أي: وما يتأخرون عنه، فيكون مجيء هلاكهم بعد مضي الأجل المضروب، وإنما حذف (١) الجار والمجرور .. لأنه معلوم مما قبله، ولرعاية الفواصل، والإتيان بصيغة الاستفعال، للإشعار بعجزهم عن ذلك، مع طلبهم له، وأما تأنيث ضمير أمة في أجلها وتذكيره في يستأخرون .. فللحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى، قال الفراء: إنما قال {أَجَلَهَا} لأن الأمة لفظها مؤنث، وإنما قال: {يَسْتَأْخِرُونَ} إخراجًا له على معنى الرجال. انتهى ذكره في "زاد المسير".

وهذه الجملة (٢) مبينة لما قبلها، فكأنه قيل: إن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغتر به العقلاء، فإن لكل أمة وقتًا معينًا في نزول العذاب، لا يتقدم ولا يتأخر، وفي هذا تنبيه (٣) لأهل مكة، وإرشاد لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من الشرك والإلحاد، الذي يستحقون به الهلاك، وزجر لهم بأن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغتروا به، فالهلاك مدخر لهم لا يتقدم ولا يتأخر.

٦ - ولما فرغ من تهديد الكفار .. شرع في بيان بعض عتوهم في الكفر، وتماديهم في الغي، مع تضمنه لبيان كافرهم بمن أنزل عليه الكتاب، بعد بيان كفرهم بالكتاب فقال: {وَقَالُوا}؛ أي: مشركوا مكة وكفار العرب لغاية تماديهم في العتو والغي مخاطبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال (٤) مقاتل: نزلت في عبد الله بن أمية، والنضر بن الحارث، ونوفل بن خويلد، والوليد بن المغيرة. انتهى. {يَا أَيُّهَا} الرجل {الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ} والقرآن في زعمه، وعلى وفق ما يدعيه، نادوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه التهكم، ولذا اتهموه بالجنون بقولهم: {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}؛ أي: إنك بسبب هذه الدعوى التي تدعيها، من كونك رسولًا لله،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.