للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بهدي رسوله تغيرت بعض أحوالهم، واستعدت أنفسهم لتشريع يزيدهم طهرًا على طهر، ويذهب عنهم رجس الجاهلية الذي كانوا فيه، فجاء ذلك التشريع الجديد الكامل المناسب لتلك الحال الجديدة، ولو أنزل القرآن جملة واحدة لم يتسن شيء من هذا.

٣٣ - ثم ذكر سبحانه أنهم محجوجون في كل أوان، مدفوع قولهم بكل وجه وعلى كل حالة، فقال: {وَلَا يَأْتُونَكَ} يا محمد {بِمَثَلٍ}؛ أي: (١) بسؤال عجيب وكلام غريب، كأنه مثل في البطلان يريدون به القدح في حقك وحق القرآن {إِلَّا جِئْنَاكَ} في مقابلته، فالباء في قوله: {بِالْحَقِّ} للتعدية أيضًا؛ أي: بالجواب الحق الثابت المبطل لما جاؤوا به، القاطع لمادة القيل والقال {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} عطف على {الحق}. والتفسير: تفعيل من الفسر؛ وهو كشف ما غطي.

والمعنى: وبما هو أحسن بيانًا وتفصيلًا لما هو الحق والصواب ومقتضى الحكمة، بمعنى أنه في غاية ما يكون من الحسن في حد ذاته، لا أن ما يأتون به له حسن في الجملة، وهذا أحسن منه, لأن سؤالهم مثل في البطلان، فكيف يصح له حسن، اللهم إلا أن يكون بزعمهم. يعني: لما كان السؤال حسنًا بزعمهم .. قيل: الجواب أحسن من السؤال. والمعنى؛ أي (٢): لا يأتيك يا محمد المشركون بمثل من أمثالم التي من جملتها اقتراحاتهم المتعنتة إلا جئناك في مقابلة مثلهم وسؤالهم بالجواب الحق الثابت الذي يبطل ما جاؤوا به من المثل ويدمغه ويدفعه، فالمراد بالمثل هنا السؤال والاقتراح، وبالحق جوابه الذي يقطع ذريعته، ويبطل شبهته، ويحسن مادته.

والاستثناء في قوله (٣): {إِلَّا جِئْنَاكَ} مفرغ, محله النصب على الحالية؛ أي: لا يأتونك بمثل في حال من الأحوال إلا حال إتياننا إياك بالحق الذي لا محيد عنه، وهذا بعبارته ناطق ببطلان جميع الأسئلة، وبصحة جميع الأجوبة،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.