للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضعفة المسلمين، ويشترطون لهم على الارتداد من حطام الدنيا، {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه من النصر والتغنيم في الدنيا والثواب في الآخرة {هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} مما يعدونكم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} تفاوت ما بين العوضين أوفوا بعهدكم واحذروا عن نقضه.

والمعنى: أي ولا تأخذوا في مقابلة نقض العهد عوضًا يسيرًا من الدنيا، وقد كان هذا حال قوم ممن أسلموا بمكة، زين لهم الشيطان أن ينقضوا ما بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جزعًا مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم للمؤمنين وإيذائهم لهم، ولما كانوا يعدونهم به من البذل والعطاء إن هم رجعوا إلى دينهم، فنبههم الله تعالى بهذه الآية، ونهاهم عن أن يتبدلوا الخير العميم والنعيم المقيم في الآخرة بما وعدوهم به من عرض الدنيا وزينتها.

ثم بين سبحانه قلة ما أخذوا وعظيم ما تركوا بقوله: {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}؛ أي: إن ما خبأه الله لكم وادخره من جزيل الأجر والثواب هو خير لكم من ذلك العرض القليل في الدنيا، إن كنتم من ذوي العقول الراجحة والأفكار الثاقبة، التي تزن الأمور بميزان الفائدة، وتقدر الفرق بين العوضين.

٩٦ - ثم بين وجه خيريته ورجاحة شأنه بقوله: {مَا عِنْدَكُمْ} أيها الناس من أعراض الدنيا وإن كثرت {يَنْفَدُ}؛ أي: يفنى وينقضي {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى من خزائن رحمته الدنيوية والآخروية {بَاقٍ} لا نفاد له ولا انتهاء ولا انقضاء، وهو حجة على الجهمية القائلين بأن نعيم الجنة يتناهى: ينقطع، ويصح الوقف عليه بثبوت الياء وبحذفها مع سكون القاف، وهما سبعيتان؛ أي: إن ما تتمتعون به من نعيم الدنيا بل الدنيا وما فيها تنفد وتنقضي، وإن طال الأمد وجل العدد، وما في خزائن الله باق لا نفاد له، فلما عنده تعالى فاعملوا، وعلى الباقي الذي لا يفنى فاحرصوا.

ثم رغب سبحانه المؤمنين في الصبر على ما التزموه من شرائع الإِسلام فقال: {وَلَنَجْزِيَنَّ}؛ أي: وعزتي وجلالي لنعطينَّ ولنثيبن {الَّذِينَ صَبَرُوا} على إذاية المشركين، وعلى مشاق التزام تكاليف الإِسلام التي من جملتها الوفاء