على جمع حطام الدنيا، كما هو شأن الإنسان، فقد جاء في الحديث:"لو كان لابن آدم واديان من ذهب .. لتمنى لهما ثالثًا"، وجاء في الخبر:"منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال". وروي عن الحسن: أنّه كان يقول: إن كان محمد صادقًا .. فما خلقت الجنة إلا لي.
١٦ - ثم أيأسه تعالى وقطع رجاءه، فقال:{كَلَّا} ردع وزجر له عن طمعه الفارغ، وقطع لرجائه الخائب، فيكون متصلًا بما قبله أو لا أفعل ولا أزيده. ثم علل ذلك بقوله:{إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا}؛ أي: معاندًا دافعًا منكرًا لآياتنا القرآنية كافرًا بما أنزلناه منها على رسولنا، يقال: عند إذا خالف الحق، ورده عارفًا به فهو عنيد وعاند؛ أي: منكر. والعنيد هنا بمعنى المعاند كالجليس والأكيل والعشير بمعنى المجالس والمؤاكل والمعاشر، وهو تعليل لما قبله على وجه الاستئناف التحقيقيّ، فإن معاندة آيات المنعم، وهي الآيات القرآنية مع وضوحها وكفران نعمه مع سبوغها مما يوجب حرمانه بالكلية، وإنما أوتي ما أوتي استدراجًا له.
وتقديم (١){لِآيَاتِنَا} على متعلقه، وهو {عَنِيدًا} يدلُّ على التخصيص، فتخصيص العناد بها مع كونه تاركًا للعناد في سائر الأشياء يدل على غاية الخسران. وفي الآية إيماء إلى أن كفره كفر عناد، فهو يعرف الحقَّ بقلبه وينكره بلسانه. وهذا أقبح أنواع الكفر.
١٧ - ثم بين ما يفعله به يوم القيامة، فقال:{سَأُرْهِقُهُ}؛ أي: سأكلف ذلك العنيد يوم القيامة بدل ما يطمعه من الزيادة {صَعُودًا}؛ أي: ارتقاء عقبة شاقّة المصعد، بحيث تغشاه شدّة ومشقّة من جميع الجوانب. فالكلام على حذف مضاف كما قدّرناه على أن يكون الإرهاق معناه: تكليف الشيء العظيم المشقّة بحيث تغشى المكلف شدّته ومشقته من جميع الجوانب. قال الغزالي رحمه الله: معناه: سأكلفه حالة تصعد فيها نفسه للنزع، وان لم يتعقبه موت انتهى. وهو مثال لما يلقى من العذاب الصعب الذي لا يطاق، ويجوز أن يحمل على حقيقته كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفًا ثم يهوى كذا أبدًا"؛ أي: سبعين عامًا؛ لأنّ الخريف آخر السنة، فيه تتمّ الثمار وتدرك، فصار بذلك كأنّه العام كلّه.