١٢٦ - {قَالَ} ربه مجيبًا هذا السائل: {كَذَلِكَ} خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: أمرنا {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ما فعلنا بك من حشرك أعمى، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي حشرناك أعمى حشراً مثل الذي فعلت في الدنيا، من إعراضك عن الحق، ثم فسره بقوله:{أَتَتْكَ آيَاتُنَا}؛ أي: آيات الكتاب، أو دلائل القدرة، وعلامات الوحدة، واضحةً نيرةً، بحيث لا تخفى على أحد {فَنَسِيتَهَا}؛ أي: أعرضت عنها وتركتها ترك المنسي الذي لا يذكر أصلًا، ولم تنظر فيها {وَكَذَلِكَ}؛ أي: ومثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا {الْيَوْمَ تُنْسَى}؛ أي: تترك في العمى والعذاب، جزاءً وفاقًا، لكن لا أبدًا كما قيل: بل إلى ما شاء الله، ثم يزيله عنه، ليرى أهوال القيامة، ويشاهد مقعده من النار، ويكون ذلك له عذابًا فوق العذاب، وكذلك البكم والصم، يزيلهما الله عنهم {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا}.
والمعنى: أي فكما تركت آياتنا ترك المنسي الذي لا يذكر أصلًا، وأعرضت عنها اليوم ننساك فنتركك في النار.
١٢٧ - {وَكَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك الجزاء الموافق للجناية {نَجْزِي مَنْ أَسْرَف} وجاوز الحد في عصيانه، بالانهماك في الشهوات، والإسراف: مجاوزة الإنسان الحد في كل فعل يفعله، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر {وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ}؛ أي: بالقرآن وسائر المعجزات، بل كذبها وأعرض عنها.
والمعنى: أي وهكذا نعاقب من أسرف فعصى ربه، ولم يؤمن برسله وكتبه، فنجعل له معيشة ضنكًا، أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس أنه قال: في الآية يقول: كل مال أعطيته عبدًا من عبادي، قل أو كثر، لا يتقيني فيه .. فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة.
ولما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين (١): المعيشة الضنك في الدنيا، وحشره أعمى في العقبى .. ختم آيات الوعيد بقوله:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ} على الإطلاق، أو عذاب النار {أَشَدُّ} وأوجع مما نعذبهم به في الدنيا، من ضنك