للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح، فدخلت تحت الأرض، وجعلت ترفع كل اثنين، وتضرب أحدهما بالآخر بعدما رفعتهما في الهواء، ثم تلقيهما في الأرض، والباقون ينظرون إليهما، حتى رفعتهم كلهم، ثم رمت بالرمل والتراب عليهم. وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يومًا.

فائدة: ذكَّر (١) وصف النخل هنا، حيث قال {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}، وأنثه في الحاقة، حيث قال: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} رعاية للفواصل في الموضعين. وجاز فيه الأمران؛ لأنّه نظر إلى لفظ النخل تارةً، فذكره، وإلى معناه أخرى فأنثه. نظير قوله تعالى: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ}، {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً}.

وفي الآية إيماء (٢) إلى أن الريح كانت تقتلع رؤوسهم، فتبقي الأجسام، ولا رؤوس لها، وإلى أنهم كانوا ذوي جثث عظام طوال كالنخل، وإلى أنهم أعملوا أرجلهم في الأرض، وقصدوا بذلك مقاومة الريح، وإلى أن الريح جعلتهم كأنهم خشب يابسة لشدة بردها.

٢١ - ثم هول من أمر العذاب والإنذار بعد بيانهما، فقال: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) أي: فانظروا كيف كان عذابي لهم، وإنذاري إياهم. وقد كرره تعظيمًا لشأنهما، وتعجيبًا من أمرهما.

وهذا سنة في بليغ الكلام في باب النصح والإرشاد، وباب الوعد والوعيد. وقال في "برهان القرآن": أعاد في قصة عاد {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦)} مرتين؛ لأنَّ الأول في عذاب الدنيا، والثاني في عذاب الآخرة, كما قال في قصتهم في آية أخرى: {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (١٦)}. وقيل: الأول لتحذيرهم قبل هلاكهم، والثاني لتحذير غيرهم بعد هلاكهم، انتهى.

٢٢ - {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ}؛ أي: سهلنا لفظه، ويسرنا معناه {لِلذِّكْرِ}؛ أي: ليتذكر به من شاء، ويتدبر فيه من أراد. {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}؛ أي: فهل من متعظ به، مزدجرٍ عن معاصي الله سبحانه.


(١) فتح الرحمن.
(٢) المراغي.