للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المنهمكين فيها، وهم الكفرة والمشركون، من مقابرهم، ونجمعهم {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ يُنفخ في الصور، وذكره صريحًا مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل حالة كونهم {زُرْقًا}؛ أي: زرق العيون، جمع أزرق، والزرقة: الخضرة في العين كعين الهرة، والعرب تتشاءم بزرقة العين، وهي أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب، فإن الروم الذين كانوا أعدى عدوهم زرق، وقال الإِمام في "المفردات" قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}؛ أي: عميًا عيونهم، لا نور لها؛ لأن حدقة الأعمى تزرق، يعني أن العين إذا زال نورها أزرقت.

والمعنى (١): هذا اليوم؛ أي: يوم القيامة هو يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية، إيذانًا بالقيام للحشر والحساب، ويوم يساق فيه المجرمون إلى المحشر شاحبي الألوان، زرق الوجوه، لما هم فيه من مكابدة الأهوال، ومقاساة الشدائد، التي تحل بهم، والجمع (٢) بين هذه الآية وبين قوله: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} ما قيل: من أن ليوم القيامة حالاتٍ ومواطن، تختلف فيها صفاتهم، ويتنوع عندها عذابهم، وقرأ الجمهور (٣): {يُنْفَخُ} مبنيًا للمفعول {وَنَحْشُرُ} بالنون مبنيًا للفاعل بنون العظمة، وقرأ أبو عمرو، وابن محيصن، وحميد {ننفخ} بنون العظمة لـ {نحشر} أسند النفخ إلى الآمر به، والنافخ: هو إسرافيل، ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة، وقرىء {ينفخ} و {يحشر} بالياء مبنيًا للفاعل، وقرأ الحسن، وابن عياض في جماعة {في الصور} على وزن درر، والحسن {ينفخ} بالياء مبنيًا للمفعول و {يحشر} مبنيًا للفاعل وبالياء؛ أي: ويحشر الله تعالى،

١٠٣ - وقوله: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} استئناف (٤) لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ، ويصح أن يكون حالًا من {الْمُجْرِمِينَ} والتخافت: إسرار المنطق وإخفاؤه؛ أي: يقول بعضهم لبعض خفيةً، من غير رفع صوت، بسبب امتلاء صدورهم من الخوف والهوان، أو استيلاء الضعف عليهم {إِنْ لَبِثْتُمْ}؛ أي: ما أقمتم وما مكثتم في الدنيا، أو في القبر


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.