للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أراد،

١٩٥ - بهذه الآية: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}؛ أي: أجاب لهم ربهم سبحانه وتعالى دَعاءهم بـ {أَنِّي لَا أُضِيعُ}، ولا أبطل، ولا أحبط {عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} أيها المؤمنون، سواء كان ذلك العامل {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} بل أثيبكم على ما فعلتم من الخيرات؛ فلا تفاوت في الإجابة، وفي الثواب بين الذكر والأنثى إذا كانا في التمسك بالسنة والعمل بالطاعة على السواء {بَعْضُكُمْ} أيها المؤمنون والمؤمنات {مِنْ بَعْضٍ}؛ أي: كبعض في الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية؛ لأن تكليفي عام لكل من النوعين. وقيلَ: بعضُكم من بعض في الدين، والنصرة، والموالاة. وقيل: الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، فكلكم من آدَمَ وحواء.

وهذه الجملة معترضة، بيَّن الله سبحانه وتعالى بها شركةَ النساءَ الرجالَ فيما وعده الله عبادَه العاملين.

وقرأ الجمهور (١) {أَنِّي} بفتح الهمزة، وإسقاط الباءِ، أي: بأني، وهو مطرد إذا أمن اللبس كما قال ابن مالك:

نَقْلًا وَفِيْ أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ... مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوْا

وقرأ أبي {بأنى} بإثبات الباء، وهي للسببية؛ أي: فاستجاب لهم ربهم؛ بسبب أنه لا يضيع عملَ عامل منهم، والمراد بالإضاعة تركُ الإثابة، وقرأ عيسى بن عمر {إنِّي} بكسر الهمزة، فيكون على إضمار القول على قول البصريين، أو على الحكاية بقوله: {فَاسْتَجَابَ} لأن فيه معنى القول على طريقة الكوفيين. وقرأ الجمهور {أُضِيعُ} من أضاع الرباعي، وقرأ بعضهم {أُضِيعُ} بالتشديد من ضيع المضعف، والهمزة، والتشديد فيه: للنقل.

ويستنبط من هذه الآية أمور كثيرة:

منها: أن الاستجابة يصح أن تكون بغير ما طلبَ، فقد سألوه غفرانَ الذنوب وتكفيرَ السيئات، والوفاةَ مع الأبرار، فأجابهم بأن كل عامل سيوفَى جزاءَ


(١) المراغي.