للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحديثان أخرجهما في "جامع الأصول" ولم يعزهما إلى الكتب الستة. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ} لمن تاب منكم {حَلِيمٌ} عن جهالتكم، فلا يعاقبكم إلا بعد الإنذار.

١٠٢ - {قَدْ سَأَلَهَا}؛ أي: قد سأل هذه المسائل؛ أي: عن أمثال هذه المسائل {قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ}؛ أي: قوم من الأمم الماضية أنبياءهم {ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ}؛ أي: ثم صاروا بعد إبدائها وإعطائها كافرين وساترين لها، ومكذبين بها، وتاركين العمل بها، فأُهلكوا بسببها، فإن (١) من أكثر الأسئلة عن الأحكام الشرعية من الأمم السالفة .. لم يعملوا بما بين لهم منها، بل فسقوا عن أمر ربهم، وألقوا شرعهم ورائهم ظهريًّا استثقالًا للعمل به، وأدى ذلك؛ إما إلى استنكاره، وإما إلى جحود كونه من عند الله، وسواء أكان هذا أم ذاك، فهو كفران به. انظر إلى قوم صالح عليه السلام، سألوا الناقة ثم عقروها، فأصبحوا بها كافرين، فاستحقوا الهلاك في الدنيا قبل عذاب الآخرة، وإلى قوم موسى قالوا: أرنا الله جهرة، فكان هذا السؤال وبالًا عليهم، وإلى قوم عيسى عليه السلام سألوا نزول المائدة عليهم، ثم كذبوا بها، وقال مقاتل (٢): كان بنو إسرائيل يسألون أنبياءهم عن أشياء، فإذا أخبروهم بها .. تركوا قولهم، ولم يصدقوهم، فأصبحوا بتلك الأشياء كافرين، كأنه تعالى يقول (٣): إن أولئك سألوا فلما أعطوا سؤلهم .. كفروا به، فلا تسألوا أنتم شيئًا فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم ساءكم ذلك.

ولا بد (٤) من تقييد النهي في هذه الآية بما لا تدعو إليه حاجة كما قدمنا؛ لأن الأمر الذي تدعو إليه الحاجة في أمور الدين والدنيا .. قد أذن الله بالسؤال عنه فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "قاتلهم الله، ألا فاسألوا، فإنما شفاء العيِّ السؤال".


(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) زاد المسير.
(٤) الشوكاني.