للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرقةٌ كذلك إلّا أنَّها همزت بعد السين. وقرأ الضحاك، وأبو رجاء بضمّ النون الأولى وفتح الثانية، وتشديد السين وبلا همزٍ. وقرأ أُبيٌّ: {أو نُنْسِكَ} بضمّ النون الأولى وسكون الثانية، وكسر السين من غير همز، وبكاف الخطاب بدل ضمير الغيبة، وفي مصحف سالم مولى أبي حذيفة كذلك، إلّا أنّه جمع بين الضميرين، وهي قراءة أبي حذيفة. وقرأ الأعمش: {ما نُنْسِكَ مِنْ آيةٍ أو نُنْسِخْهَا نَجِىءْ بِمِثْلِها} وهكذا ثبت في مصحف عبد الله، فتحصَّل من هذه القراءات دون قراءة الأعمش إحدى عشرة قراءةً، فمعنى هذه اللفظة في الآية: نُؤخّر نسخها، أو نُزُولُها، قاله عطاء، وابن أبي نجيح، أو نمحها لفظًا، وحكمًا، قاله ابن زيد، أو نمضها فلا ننسخها، قاله أبو عبيدة، وهذا يضعِّفه قوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}؛ لأنّ ما أمضى وأُقِرّ لا يقال فيه نأت بخير منها.

ثمّ أقام الدليل على إمكان الننسخ، فقال:

١٠٧ - {أَلَمْ تَعْلَمْ} يا محمد! الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد (١) غيره من المؤمنين الذين ربّما كان يؤذيهم ما كان يعترض به اليهود، وغيرهم على النسخ، وضعيف الإيمان يؤثِّر في نفسه أن يعاب ما يأخذ به، فيخشى عليه من الرُّكونِ إلى الشُّبهة، أو تدخل في قلبه الحيرة، فجاء ذلك؛ تثبيتًا لهم؛ وتقويةً لإيمانهم ببيان أنَّ القادر على كل شيء، لا يستنكر عليه نسخ الأحكام؛ لأنّها ممَّا تتناولها قدرته. والاستفهام فيه للتقرير؛ أي: إنك تعلم يا محمد! {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فمنه النسخ والتبديل {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر، فيقدر على النسخ، والإتيان بمثل المنسوخ، وبما هو خير منه.

والمعنى (٢): ألم تعلم يا محمد؟ أني قادر على تعويضك ممَّا نسخت من أحكامي، وغيرته من فرائضي التي كنت افترضتها عليك ما أشاء مما هو خيرٌ لك، ولعبادي المؤمنين، وأنفع لك ولهم عاجلًا، أو آجلًا، وسبق لك آنفًا أنَّ الهمزة للاستفهام التقريري، والمعنى: أي: أَقرَّ واعترفْ يا محمد! بكون الله


(١) المراغي.
(٢) الخازن.