للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وشحيح عديكم بأن تدخلوا النار. {بِاَلمُؤمنِينَ} بالله وبرسوله؛ أي: بجميعهم، {رَءُوفٌ رَحِيمٌ}؛ أي: شديد الرأفة والشفقة بالمطيعين وكثير الرحمة والإصلاح بالمذنبين. وقيل: رؤوف بمن رآه، رحيم بمن لم يره. وقيل: رؤوف بأقربائه، رحيم بغيرهم، ذكره في "البحر". فكل ما يدعو إليه من العمل بشرائع الله فهو دليل على ثبوت هذه الصفات له، وكل شاق منها، كالجهاد فهو منجاة مما هو أشق منه.

وقال الحسن بن المفضل: لم يجمع الله سبحانه وتعالى لنبي من أنبيائه اسمين من أسمائه، إلا لنبينا محمَّد، - صلى الله عليه وسلم -، فإنه قال فيه؛ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وقال تعالى في حق نفسه: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

وقرأ ابن عباس (١)، وأبو العالية والضحاك وابن محيصن، ومحبوب عن أبي عمرو، وعبد الله بن قسيط، المكي، ويعقوب من بعض طرقه: {من أنفسكم} بفتح الفاء. ورويت هذه القراءة عن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وعن فاطمة وعائشة - رضي الله عنهما - كما مر، والمعنى، من أشرفكم وأعزكم، وذلك من النفاسة، وهو راجع لمعنى النفس، فإنها أعز الأشياء. وقرىء "رؤوف" بالمد؛ أي: بزيادة واو بعد الهمزة وبالقصر؛ أي: بحذف الواو قراءتان سبعيتان في هذه الكلمة حيثما وقعت في القرآن.

١٢٩ - ثم قال الله سبحانه وتعالى (٢) مخاطبًا لرسوله محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ومسليًا له ومرشدًا له، إلى ما يقوله عندما يعصى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: فإن (٣) تولى هؤلاء المنافقون والكفار عن الإيمان والتوبة، وناصبوك الحرب؛ أي: فإن تولوا وأعرضوا عن الإيمان بك، والاهتداء بما جئتهم به، ولم يعملوا به، ولا قبلوه بعد هذه الحالة التي منّ الله سبحانه وتعالى عليهم بها، من إرسالك إليهم، واتصافك بهذه الأوصاف الجميلة، {فَقُلْ} يا محمَّد: {حَسْبِيَ} وكافيَّ، {اللَّهُ} سبحانه وتعالى


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.