قال ابن الشيخ: لما اشتملت الآيات السابقة على وعيد كفار أهل مكة بالإهلاك عاجلًا وآجلًا، والوعد للمؤمنين بالانتصار منهم جيء بقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)} تأكيدًا للوعيد والوعد. يعني: أنّ هذا الوعيد والوعد حق وصدق، والموعود مثبت في اللوح المحفوظ مقدر عند الله تعالى، لا يزيد، ولا ينقص، وذلك على الله يسير؛ لأن قضاءه في خلقه أسرع من لمح البصر.
وقيل معنى الآية: أي معنى قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ}؛ أي: وما أمر الساعة إلا كلمح البصر.
والمعنى: أي إنا إذا أردنا أمرًا قلنا له: كن، فإذا هو كائن. ولا يحتاج إلى تأكيد الأمر بثانية، ولا ثالثة. ولله در القائل:
وهذا (١): تمثيل لسرعة نفاذ المشيئة في إيجاد الخلق. فهي في السرعة كلمح البصر، لا إبطاء ولا تأخير.
٥١ - ثم أنبهم على ما هم فيه من غفلة وعماية عن الحق بعد وضوحه، فقال:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا} وأفنينا، واستأصلنا {أَشْيَاعَكُمْ} وأشباهكم، ونظراءكم في الكفر بي، والتكذيب لرسلي {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ومتعظ يتعظ بذلك، فيخاف العقوبة، وأن يحل به مثل ما حل بهم. والأشياع: جمع شيعة، وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره، كما سيأتي.
والمعنى: أي وعزتي وجلالي .. لقد أهلكنا، وأفنينا، واستأصلنا أشباهكم ونظراءكم يا معشر قريش من المكذبين لأنبيائهم من الأمم الخالية، المتتابعة في مذهب ودين، واستأصلنا شأفتهم بحسب سنتنا في أمثالهم بشتى العقوبات، ومختلف الوسائل {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)}. أفما كان لكم في ذلك مزدجر تعتبرون به، فتنيبوا إلى ربكم وتسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، ونحو الآية: قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ}.