للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٨٥ - وجملة قوله: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ}: مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال الله له؟ فقيل: قال الله سبحانه له: فإنا قد فتنا وابتلينا واختبرنا قومك بعبادة العجل، وأوقعناهم في فتنة عبادته من بعد ذهابك من بينهم، وانطلاقك من عندهم، وهم الذين خلفهم موسى مع هارون على ساحل البحر، وكانوا ست مئة ألف، ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفًا، قال ابن الأنباري: صيرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل، من بعد إنطلاقك من بينهم، وهم الذين خلفهم مع هارون. اهـ وهذه الفتنة، وقعت لهم بعد خروج موسى بعشرين يومًا {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} حيث كان هو المدبر في الفتنة والداعي إلى عبادة العجل؛ أي: دعاهم إلى الضلالة باتخاذ العجل، وكان (١) من قوم يعبدون البقر، فدخل في دين بني إسرائيل في الظاهر، وفي قلبه ما فيه من عبادة العجل، وكان من قبيلة تسمى بالسامرة، وقال لمن معه من بني إسرائيل: إنما تخلى موسى عن الميعاد الذي بينكم وبينه، لما صار معكم من الحلي، وهي حرام عليكم، وأمرهم بإلقائها في النار، فكان من أمر العجل ما كان.

قال في "الأسئلة المحقمة": أضاف الإضلال إلى السامري؛ لأنه كان حصل بتقريره ودعوته، وأضاف الفتنة إلى نفسه، لحصولها بفعله وقدرته وإرادته وخلقه، وعلى هذا أبدًا إضافة الأشياء إلى أسبابها ومسبباتها. انتهى. وإخباره (٢) تعالى بوقوع هذه الفتنة، عند قدومه - عليه السلام - إما باعتبار تحققها في علمه ومشيئته تعالى، وإما بطريق التعبير عن المتوقع بالواقع، أو لأن السامري قد عزم على إيقاع الفتنة عند ذهاب موسى، وتصدى لترتيب مباديها، فكانت الفتنة واقعة عند الإخبار.

والسامري: رجل من عظماء بني إسرائيل، منسوب إلى قبيلة السامرة منهم، أو علجٌ من أهل كرمان، من قوم يعبدون البقر، وحين دخل ديار بني إسرائيل أسلم معهم وفي قلبه حب عبادة البقر، فابتلى الله بني إسرائيل، فكشف له عن


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.