٣٦ - وبعد أن أقام الحجج على توحيد الربوبية والألوهية، بين حال المشركين الاعتقادية، فقال:{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا}؛ أي: وما يتبع أكثر المشركين في معتقداتهم إلا ظنًّا واهيًا، أما بعضهم فقد يتبعون العلم، فيقفون على بطلان الشرك، لكن لا يقبلون العلم عنادًا، وفي ذلك دليل على أن تحصيل العلم في الأصول واجب، والاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز.
والمعنى (١): أي إن أكثرهم لا يتبعون في شركهم وعبادتهم لغير الله، ولا في إنكارهم للبعث وتكذيبهم للرسول، - صلى الله عليه وسلم -، إلا ضربًا من ضروب الظن، قد يكون ضعيفًا، كأن يقيسوا غائبًا على شاهد، ومجهولًا على معروف، ويقلدون الآباء، اعتقادًا منهم أنهم لا يكونون على باطل في اعتقادهم ولا ضلال في أعمالهم، وقليل منهم كان يعلم أن ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحق والهدى، وأن أصنامهم وسائر معبوداتهم لا تضر ولا تنفع، ولكنهم يجحدون بآيات الله تعالى، ويكذبون رسوله، - صلى الله عليه وسلم -، عنادًا واستكبارًا، وخوفًا على زعامتهم أن تضيع سدى فيصبحون تابعين بعد أن كانوا متبوعين.
ثم بين حكم الله في الظن، فقال:{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ}؛ أي: عن العلم {شَيْئًا} من الإغناء في العقائد، والحق هو الثابت الذي لا ريب في ثبوته وتحققه؛ أي: إن الشك لا يقوم مقام اليقين في شيء، ولا ينتفع به حيث يحتاج إلى اليقين.
وخلاصة ذلك: أن الظن لا يجعل صاحبه غنيًّا بعلم اليقين فيما يطلب فيه ذلك، كالعقائد الدينية، وبهذ تعلم أن إيمان المقلد غير صحيح، أي: إن مجرد الظن لا يغني في معرفة الحق شيئًا؛ لأن أمر الدين، إنما يبنى على العلم، وبه يتضح الحق من الباطل، والظن لا يقوم مقام العلم، ولا يدرك به الحق، ولا يغني من العلم والاعتقاد الحق شيئًا.