للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يهتدى، وأنكر في الثانية حكمهم بالباطل، وتسوية الأصنام برب العالمين.

وقد اختلف (١) القراء في {لا يهدى} فقرأ أهل المدينة إلا ورشًا، أم لا يهدي، بفتح الياء، وسكون الهاء وتشديد الدال، فجمعوا بين ساكنين. قال النحاس: لا يقدر أحد أن ينطق به. وقال المبرد: من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة. وسيبويه: يسميه اختلاس الحركة. وقرأ أبو عمرو وقالون: في رواية كذلك، إلا أنه اختلس الحركة؛ أي: بين الفتح والإسكان. وقرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن: كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء؛ أي: قرءوا بفتح الياء والهاء وتشديد الدال. قال النحاس: هذه القراءة بينة في العربية، والأصل فيها يهتدي فنقلت حركة التاء إلى الهاء، وأدغمت التاء في الدال. وقرأ حفص ويعقوب والأعمش عن أبي بكر مثل قراءة ابن كثير، إلا أنهم كسروا الهاء، قالوا؛ لأن الكسر هو الأصل عند التقاء الساكنين. قال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر. وقرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يحيى بن آدم {يهدى} بكسر الياء والهاء وتشديد الدال للاتباع، ونقل عن سيبويه أنه لا يجيز {يهدى} ويجيز تِهدى ونِهدى وإِهدى قال: لأن الكسرة في الياء تثقل. وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى بن وثاب: {يهدى} بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال، من هدى يهدي. قال النحاس، وهذه القراءة لها وجهان في العربية، وإن كانت بعيدة:

الأول: أن الكسائي والفراء، قالا: إن يهدي بمعنى يهتدي.

الثاني: أن أبا العباس قال: إن التقدير: أم لا يهدي غيره ثم تم الكلام.

وقال بعد ذلك: {إلا أن يهدى}؛ أي: لكنه يحتاج أن يهدي فهو استثناء منقطع، كما تقول: فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع، أي: لكنه يحتاج أن يسمع.

والمعنى على القراءات المتقدمة (٢): أفمن يهدي الناس إلى الحق، وهو الله سبحانه، أحق أن يتبع ويقتدى به، أم الأحق بأن يتبع ويقتدى به من لا يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره، فضلًا عن أن يهدي غيره، والاستثناء على هذا استثناء


(١) البحر المحيط والشوكاني.
(٢) الشوكاني.