للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَمَنَّى أُنَاسٌ أَنْ امُوْتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيْلٌ لَسْتُ فِيْهَا بِأَوْحَدِ

أي: بواحد، ولا يخفاك أنه ينافي هذا وصف الأشقى بالتكذيب، فإن ذلك لا يكون، إلا من الكافر، فلا يتم ما أراد قائل هذا القول من شمول الوصفين لعصاة المسلمين،

١٨ - ثم ذكر سبحانه صفة الأتقى، فقال: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ}؛ أي (١): يعطيه ويصرفه في وجوه البر والحسنات حال كونه {يَتَزَكَّى}؛ أي: يطلب أن يكون زاكيًا عند الله لا يريد به رياء ولا سمعة، من متزكيًا متطهرًا من الذنوب ومن دنس البخل ووسخ الإمساك، فالجملة في محل النصب حال من فاعل {يُؤْتِي}، ويجوز أن تكون بدلًا من {يُؤْتِي} داخلة في حكم الصلة لا محل لها من الإعراب.

وقرأ الجمهور (٢): {يزكى} مضارع تزكى، وقرأ علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -: {يزكى} بإدغام التاء في الزاي.

والمعنى: أي ويبعد عنها المبالغ في اتقاء الكفر والمعاصي الشديد التحرز منهما بحيث لا يخطرهما ببال، ثم وصف الأتقى بأفضل مزاياه، فقال: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) أي: إن الأتقى هو الذي يُنفق أمواله في وجوه الخير طالبًا بذلك طهارة نفسه وقربها من ربه، لا مريدًا بذلك رياء ولا سمعة، ولا طالبًا مديح الناس له، فإن ذلك ضرب من النفاق الذي يبطل معه العمل، ولا يكون لصاحبه عليه ثواب مهما أتعب نفسه وأجهدها، فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، وقد أكد هذا بقوله: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ ...} إلخ،

١٩ - وقوله: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩)} استئناف مقرر؛ لكون إيتائه للتزكي خالصًا لوجه الله تعالى؛ أي: وليس لأحد عند ذلك الأتقى نعمة، ومنة من شأنها أن تجزى وتكافأ، فيقصد بإيتائه ما يؤتي من ماله مجازاتها، وإنما (٣) قال: {تُجْزَى} بصيغة المضارع المبني للمجهول؛ لأجل الفواصل، والأصل: يجزيها إياه، من يجزيه إياها؛ أي: إنه لا يقصد بإنفاقه المال مكافأة أحد على نعمة كان قد أسلفها, ولا جزاء معروف كان قد تقدم به إليه،

٢٠ - ثم أكده مرة ثانية، فقال: {إِلَّا ابْتِغَاءَ} وطلب رضا {وَجْهِ رَبِّهِ}؛ أي: ذات ربه {الْأَعْلَى}؛ أي: الموصوف بالعلو والرفعة على خلقه، وهو استثناء (٤)


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.