للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كل شيء .. كان قادرًا على إحياء الموتى لأنّه من جملة الأشياء، وقدرته تعالى لا تختص بمقدور دون مقدور، فـ {بلى}: يختص بالنفي، ويفيد إبطاله على ما هو المشهور، وإن حكى الرضي عن بعضهم: أنه جاز استعمالها في الإيجاب.

وقرأ الجمهور (١): {بِقَادِرٍ} اسم فاعل، و {الباء}: زائدة في خبر {أنْ} وحسّن زيادتها كون ما قبلها في حيز النفي، وقرأ الجحدريّ وزيد بن عليّ وعمرو بن عبيد وعيسى والأعرج: بخلاف عنه، ويعقوب: {يَقْدِرُ} مضارعًا، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى، واختار أبو حاتم القراءة الثانية، قال: لأنّ دخول الباء في حيّز أنّ قبيح.

والمعنى (٢): أي أو لم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الخلق بعد وفاتهم، وبعثه إيّاهم من قبورهم بعد بلاهم، فيعلموا أنّ الذي خلق السموات السبع والأرض، فابتدعهنّ من غير شيء، ولم يعي في إنشائهنّ، بقادر على أن يحيي الموتى، فيخرجهم من بعد بلاهم في قبورهم أحياء كهيئتهم قبل وفاتهم، ونحو الآية قوله عزّ وجل: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

والخلاصة: أنّ من قال للسموات والأرض: كُوني فكانت، لا ممانعةً، ولا مخالفةً، طائعةً خائفةً وجلةً، أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ ثمّ أجاب عن ذلك الاستفهام مقرّرًا للقدرة على وجه عام، فقال: {بَلَى إِنَّهُ} إلخ؛ أي: بلى إنّ الذي خلق ذلك ذو قدرة على كل شيء أراد خلقه، ولا يعجزه شيء أراد فعله، وقد أجاب سبحانه عن هذا السؤال لوضوح الجواب، إذ لا يختلف فيه أحد، ولا يعارض فيه ذو لبٍّ.

٣٤ - ولما أثبت البعث بما أقام من الأدلة .. ذكر ما يحدث حينئذٍ من الأهوال، فقال: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ}؛ أي: يعذَّبون بها كما سبق في هذه السورة، والظرف: متعلق بقول محذوف، تقديره: يقال لهم: يومئذٍ على سبيل


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.