للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فائدة (١): وبدؤوا هنا بموسى قبل هارون - وإن كان أكبر سنا من موسى قيل بثلاث سنين - لأنّ موسى هو الذي ناظر فرعون، وظهرت المعجزتان في يده وعصاه؛ ولأن قوله: {وَهارُونَ}، فاصلة، وجاء في طه {رب هارون وموسى}؛ لأنّ {مُوسى} فيها فاصلة، ويحتمل وقوع كل منهما مرتبا من طائفة وطائفة، فنسب فعل بعض إلى المجموع في سورة، وبعض إلى المجموع في سورة أخرى.

قال المتكلمون: وفي الآية دلالة على فضيلة العلم؛ لأنّهم لما كانوا كاملين في علم السحر .. علموا أنّ ما جاء به موسى حق خارج عن جنس السحر، ولولا العلم .. لتوهموا أنّه سحر، وأنّه أسحر منهم. ذكره أبو حيان في «البحر».

١٢٣ - {قالَ فِرْعَوْنُ} للسحرة {آمَنْتُمْ بِهِ}؛ أي: آمنتم برب موسى وهارون، أو صدقتم بموسى واتبعتموه مذعنين لرسالته {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} فيه وآمركم به؛ أي: قال ما ذكر منكرا على السحرة، موبخا لهم على ما فعلوه، فالاستفهام للإنكار والتوبيخ {إِنَّ هذا} الصنيع الذي صنعتموه من الإيمان بموسى واتباعه {لَمَكْرٌ}؛ أي: لحيلة وخديعة {مَكَرْتُمُوهُ}؛ أي: احتلتموه ودبرتموه اتفاقا مع موسى، وأنتم {فِي الْمَدِينَةِ}؛ أي: في مدينة مصر قبل أن تخرجوا إلى هذا الميعاد وإلى هذه الصحراء، بما أظهرتم من المعارضة والرغبة في الغلب عليه مع إسرار اتباعه، بعد ادعاء ظهور حجته، كما قال في سورة طه: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} فأجمعتم كيدكم لنا في هذه المدينة {لِتُخْرِجُوا مِنْها}؛ أي: من المدينة {أَهْلَها} من القبطيين؛ أي: لأجل أن تخرجوا المصريين منها بسحركم، ويكون لكم فيها مع بني إسرائيل ما هو لنا الآن من الملك والرياسة والتصرف في البلاد.

وكل (٢) ذي لب وفطنة يعلم أنّ هذه مقالة لا نصيب لها من الصحة، ولا ظل لها من الحقيقة؛ فإن موسى - إثر مجيئه من مدين - دعا فرعون إلى الله، وأظهر المعجزات الباهرة، فلم يكن من فرعون إلا أن أرسل جنده في المدائن حاشرين، ووعدهم بالعطاء الجزيل، وموسى لا يعرف منهم أحدا، ولا رآه ولا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.