فائدة: فإن قلت (١): ما الحكمة في ذكر إبراهيم، وآله مع محمد - صلى الله عليه وسلم - في باب الصلاة حيث يقال: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم دون سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟.
قلت: أجيب عنها بأجوبة كثيرة:
منها: أنّ إبراهيم دعا لمحمد بهذه الدعوات، فأجرى الله سبحانه ذكر إبراهيم على ألسنة أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة، أداءً لحقٍّ واجبٍ على محمد لإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
ومنها: أنَّ إبراهيم سأل ربَّه بقوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}؛ أي: أبق لي ثناءً حسنًا في أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ومنها: أنّ إبراهيم كان منادي الشريعة في الحجِّ، ومحمدًا كان منادي الإيمان، فجمع الله بينهما في الذكر الجميل إلى غير ذلك من الأجوبة.
١٣٠ - ومَن في قوله:{وَمَنْ يَرْغَبُ} للاستفهام الإنكاري التوبيخيِّ، فهو بمعنى: النفي؛ أي: لا يرغب، ولا يعرض {عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} عليه السلام، ولا يترك دينه، وشريعته التي منها ما أرسل به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}؛ أي: إلا من استخفَّ، وأذلَّ، وامتهن نفسه، وأهلكها، وخسَّرها، وجهل قدرها بأن لم يعلم أنّها مخلوقةٌ لله، يجب عليها عبادة خالقها؛ لأن من عبد غير الله فقد جهل نفسه؛ لأنّه لم يعترف بأنَّ الله خالقها، وقد ورد:(من عرف نفسه فقد عرف ربّه). وعنى بذلك اليهود، والنصارى، ومشركي العرب لاختيارهم اليهوديَّة، والنصرانيَّة، والوثنية، على الإسلام.
فائدة: فالمِلَّة والدّين والشريعة بمعنى واحد، وهي: الأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده للتَّعبُّد بها، فمن حيث إملاء الرسول إيَّاها علينا تسمَّى ملَّةً، ومن حيث إنَّها شرعها الله على لسان رسوله تسمَّى شريعةً، ومن حيث إنّا نتديَّن بها