منهم عددًا، وأشد قوةً وآثارًا في الأرض، فلم ينفعهم شيء من ذلك حين حل بهم بأس الله، ثم ذكر أن المكذبين حين رأوا العباس، تركوا الشرك وآمنوا بالله وحده، وأنى لهم ذلك، هيهات هيهات فذلك لا يجديهم فتيلًا ولا قطميرًا، سنة الله في عباده أن لا ينفع الإيمان حين حلول العذاب، وأحاط بهم، وما أحسن قول بعضهم:
قوله تعالى:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه جويبر عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالا: يا محمد، ارجع عما تقول وعليك بدين آبائك وأجدادك، فأنزل الله سبحانه:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ ...} الآية.
التفسير وأوجه القراءة
٦٦ - {قُلْ} يا محمد لمشركي مكة حين قالوا لك: ارجع إلى دين آبائك: {إِنِّي نُهِيتُ} وزجرت ومنعت، من النهي، وهو طلب الترك {أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ} وتعبدون {مِنْ دُونِ اللهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: منعت من عبادة الأصنام والأوثان التي تعبدونها من دون الله تعالى {لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ}؛ أي: حين جاءني الأدلة الواضحة، والبراهين القاطعة، الدالة على وحدانيته تعالى:{مِنْ رَبِّي} فإنها توجب التوحيد؛ أي: منعني ربي من الإشراك وقت مجيء الآيات القرآنية من ربي، وذلك (١) لأنه لا نهي ولا وجوب عند أهل السنة إلا بعد ورود الشرع، ويجوز أن يقال: كان منهيًا عن عبادتها عقلًا بحسب دلالة الشواهد على التوحيد، فأكد النهي بالشرع، ويجوز أنه نهي له - صلى الله عليه وسلم -، والمراد: غيره. وفي قوله:{مِنْ رَبِّي} إشارة إلى أن دلائل التوحيد، وشواهد أنوار الحقيقة لا تطلع إلا من مطلع الهداية الأزلية، ولكن ينبغي للملتمسين أن يتوجهوا إلى ذلك الجانب بالإعراض عن السوى وترك أصنام البدع والهوى.