ثم أمر الله سبحانه وتعالى رسوله أن يجيبهم الجواب الشافي بقوله:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوا الآيات: لست ممن يأتي بالآيات ويختلقها من عند نفسه كما تزعمون بل {إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} فما أوحاه إلي وأنزله علي أبلغته إليكم؛ أي: إنه ليس لي أن اقترح على ربي أمرا من الأمور، وإنما انتظر الوحي، فكل شيء أكرمني به قلته، وإلا وجب علي السكوت وترك الاقتراح.
وقد يكون المعنى: ما أنا بقادر على إيجاد الآيات الكونية، ولا بمفتات على الله في طلبها، وإنّما أنا متبع لما يوحى إلي، فضلا من ربي علي إذ جعلني مبلغا عنه، وقد وصف الله تعالى القرآن بثلاثة أوصاف فقال:
١ - {هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}؛ أي: وقل لهم يا محمد هذا القرآن الذي أنزل عليّ، وأوحاه الله إلي بصائر من ربكم؛ أي: بمنزلة البصائر للقلوب، فبه تبصر الحق وتدرك الصواب؛ أي: حجج بينة وبراهين نيرة للعقول في الدلالة على التوحيد والنبوة والمعاد - صادرة من ربكم، من تأملها حق التأمل يكن بصير العقل بما تدل عليه من الحق، فهي أدل عليه مما تطلبونه من الآيات الكونية.
٢ - {وَهُدىً}؛ أي: وهو هاد إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
٣ - {وَرَحْمَةٌ}؛ أي: وهو رحمة في الدنيا والآخرة.
{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ أي: للذين يؤمنون به، ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه؛ أي: فالقرآن في حق أصحاب عين اليقين، وهم من بلغوا - في معارف التوحيد والنبوة والمعاد - مرتبة أصبحوا بها كالمشاهدين لها، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فهو لهؤلاء بصائر، وفي حق أصحاب علم القين، وهم الذين بلغوا إلى درجات المستدلين به هدى، وفي حق عامة المؤمنين رحمة لا جرم، وهم أصحاب حق اليقين.