الأعمال، والسبب فيما أوقعهم في هذا النكال والوبال .. لرأيت العجب العجاب، والمنظر المخزي الذي يستكين منه المرء خجلًا، ثم فصل ذلك الحوار، فقال: يقول الأتباع للذين استكبروا في الدنيا، واستتبعوهم في الغيّ والضلال: لولا أنتم أيها السادة صددتمونا عن الهدى .. لكنا مؤمنين بما جاء به الرسول،
٣٢ - ثم حكى سبحانه رد الرؤساء عليهم بقوله:{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهو واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال الذين استكبروا؟ فقيل: قال الرؤساء الذين استكبروا عن الإيمان {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} منكرين لكونهم الصادين لهم عن الإيمان, مثبتين ذلك لأنفسهم؛ أي: للمستضعفين {أَنَحْنُ} معاشر الرؤساء {صَدَدْنَاكُمْ}؛ أي: منعناكم وصرفناكم أيها الأتباع {عَنِ الْهُدَى} والإيمان {بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} الهدى، قال العمادى: وإنما وقعت {إِذْ} مضافًا إليها، وإن كانت من الظروف اللازمة للظرفية، لأنه يتوسع في الزمان ما لا يتوسع في غيره، فأضيف إليه الزمان. اهـ. وقيل: إن {إِذْ} هنا بمعنى: أن المصدرية؛ أي: لم نصدكم عنه، كقولك: ما أنا قلت هذا، تريد: لم أقله، مع أنه مقول لغيري، فإن دخول همزة الاستفهام الإنكاري على الضمير يفيد نفي الفعل عن المتكلم، وثبوته لغيره، كما قال:{بَلْ كُنْتُمْ} أنتم {مُجْرِمِينَ}؛ أي: راسخين في الإجرام والإشراك، فبسبب ذلك صددتم أنفسكم عن الإيمان, وآثرتم التقليد، وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سبب عداوة في الآخرة، وتبرىء بعضهم من بعض، قال أبو السعود: فأنكروا كونهم الصادين لهم عن الإيمان, وأثبتوا أنهم هم الصادون لأنفسهم بسبب كونهم راسخين في الإجرام. اهـ.
والمعنى: أي قال الذين استكبروا في الدنيا، وصاروا رؤساء في الكفر والضلالة للذين استضعفوا، فكانوا أتباعًا لأهل الضلال منهم: أنحن منعناكم من اتباع الحق بعد أن جاءكم من عند الله تعالى، بل أنتم منعتم أنفسكم حظها اجرامكم وإيثاركم الكفر على الإيمان.
والخلاصة: أننا لم نحل بينكم وبين الإيمان لو صممتم على الدخول فيه، بل كنتم مجرمين، فمنعكم إيثاركم الكفر على الإيمان من اتباع الهدى،
٣٣ - ثم حكي ردّ المستضعفين على قول المستكبرين بقوله:{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} عطف على الجملة الاستئنافية.