وفي الحديث والآية (١): دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، وعلى جواز صلة المؤمن والكافر، وإرشاده ونصحه بدليل قوله:"إن لكم رحمًا سأبلها ببلالها".
وروى مسلم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار".
٢١٥ - وبعد أن أمره بإنذار المشركين من قومه .. أمره بالرفق بالمؤمنين، فقال:
٣ - {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ}؛ أي: أن جانبك وحالك وتواضع {لِمَنِ اتَّبَعَكَ}، واقتدى بك {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بالله سبحانه وبك، وترفق بهم وتجاوز عنهم، فإن ذلك أجدى لك، وأجلب لقلوبهم، وأكسب لمحبتهم، وأفضى إلى معونتك والإخلاص لك. و {مِنَ} للتبيين؛ لأن (من أَتبع) أعم ممن اتسع لدين، أو قرابة، أو نسب، أو للتبعيض، على أن المراد بالمؤمنين المشارفون للإيمان والمصدقون باللسان.
فإن قلتَ: لِمَ قال: {لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، ولم يقل: واخفض جناحك للمؤمنين، فما النكتة في هذا العدول؟
قلتُ: النكتة في هذا العدول إلى هذا الأسلوب إخراج المؤمن الغير المتابع؛ لأن كل متابع مؤمن، وليس كل مؤمن متابعًا، ولئلا يغتر المؤمن بدعوى الإيمان وهو بمعزل عن حقيقته التي لا تحصل إلا بالمتابعة. انتهى من "التأويلات النجمية".
يقال: خفض جناحه إذا ألانه، وفيه استعارة تصريحية، كما سيأتي في مبحث البلاغة. والمعنى: أن جناحك، وتواضع لمن اتبعك من المؤمنين، وأظهر لهم المحبة والكرامة، وتجاوز عما يبدو منهم من التقصير، واحتمل منهم سوء الأحوال، وعاشرهم بجميل الأخلاق، وتحمل عنهم كلهم، فإن حرموك فأعطهم، وإن ظلموك فتجاوز عنهم، وإن قصروا في حقي فاعف عنهم واستغفر لهم.