للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحكمها في إهلاكهم بحيث لا يمنعها شيء، من قولهم سَوَّمْتُ فلانًا في الأمر، إذا حكمته فيه، وخَلَّيْتَه وما يُريد لا تثني له يد في تصرفه.

ويَرى بَعْضُ المفسرينَ أنَّ التسْوِيم كانَ حِسيًّا بخطوط في ألوانها أو بأمثال الخواتيم عليها، أو بأسماء أهلها، وكل ذلك من أمور الغيب التي لا تثبت إلا بسلطان، ونص من خاتم الرسل، وأَنَّى هو. {وَمَا هِيَ}؛ أي: وما هذه القرى التي حَلَّ بها العذابُ {مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ أي: منكم أيها المشركون من أهل مكة، الظالمون لأنفسهم بتكذيبك، والمماراة فيما تُنذرهم به {بِبَعِيدٍ}؛ أي: بمكان بعيد عنكم، بل هي قريبة منكم على طريقكم في رحلة الصيف إلى الشام، كما قال في سورة الصافات: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨) أي: وإنكم لتمرون على آثارهم، ومنازلهم في أسفاركم وَقْتَ النهار، وبالليل أفلا تعتبرون بما حَلَّ بهم.

وفي هذه عبرة للظالمين في كل زمان، وإن اختلفَ العذابُ باختلاف الأحوال وأنواع الظلم كثرةً وقلةً، ومقدار أثره في الأمة من إفسادٍ عامٍّ أو خاصٍّ.

وقيل المعنى: {وَمَا هِيَ}؛ أي: وما هذه الحجارة الموصوفة من كل ظالم ببعيد، فإنهم بسبب ظلمهم مستحقونَ لها؛ أي: فإن الظالمينَ حقيق بأن تمطر عليهم، ومنهم كفار قريش، ومن عاضَدَهم على الكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أو من الظالمينَ من قوم لوط، وتذكيرُ البعيد على تأويل الحجارة بالحجر، أو إجراء له على موصوف مذكر؛ أي: شيء بعيد، أو مكان بعيد، أو لكونه مصدرًا كالزفير، والصهيل، والمصادرُ يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث.

٨٤ - وقوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ} معطوف كسابقه على قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} وهو اسم ابن إبراهيم الخليل عليه السلام، ثمَّ صَارَ اسمًا للقبيلة، أو اسْمُ مدينة بناها مَدْيَنَ، فسُمِّيت باسمه؛ أي: وأرسلنا إلى قبيلة مَدْيَنَ أو ساكني بلدةِ مدين {أَخَاهُمْ}؛ أي: واحدًا منهم في النسب {شُعَيْبًا} عطف بيان له، وهو ابن مكيلِ بن يشجر بن مدين {قَالَ} استئناف بيانيٌّ {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ}؛ أي: فلمَّا أتاهم قال: يا قوم اعبدوا الله،