{قُلْ} لهم يا محمَّد موبخًا لهم، ومكذبًا {قَدْ جَاءَكُمْ} وأتاكم يا معشر اليهود {رُسُلٌ} كثير {مِنْ قَبْلِي} كزكريا، ويحيى، وغيرهما {بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: بالعجزات الواضحة الدالة على صدقهم، وبكل ما تقترحونه منهم {وَبِالَّذِي قُلْتُمْ}؛ أي: وبالقربان الذي تأكله النار {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في مقالتكم إنكم تؤمنون لرسول يأتيكم بما اقترحتموه، فإن زكريا ويحيى، وعيسى، وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام قد جاؤوكم بما قتلم في معجزات أخرَ، فما بالكم لم تؤمنوا بهم بل اجترأتم على قتلهم، وهذا دليل على أنكم قوم غلاظ الأكباد - وبذلك وصفوا في التوراة - قساة القلوب لا تفقهون الحق، ولا تذعنون له، وإنكم لم تطلبوا هذه المعجزة استرشادًا، بل تعنتًا وعنادًا.
وقد نسب هذا الفعل إلى ما كان في عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وقع من أسلافهم؛ لأنهم راضون بما فعلوه، معتقدون أنهم على حق في ذلك، والأمة في أخلاقها العامة، وعاداتها كالشخص الواحد، وقد كان هذا معروفًا عند العرب، وغيرهم، يلصقون جريمةَ الشخص بقبيلته، ويؤاخذونها بها.
والخلاصة: أن أسلافكم كانوا متعنتين، وما أنتم إلا كأسلافكم، فلم يكن من سنة الله إجابتكم إلى ملتمسكم بالإتيان بالقربان، إذ لا فائدة منه.
١٨٤ - {فَإِنْ كَذَّبُوكَ} يا محمَّد في أصل النبوة والشريعة بعد أن جئتَهم بالبينات الساطعة، والمعجزات الواضحة، والكتاب الهادي إلى سواء السبيل مع استنارة الحجة، والدليل {فـ} تسل يا محمَّد على تكذيبك، ولا تأس عليهم، ولا تحزن لعنادهم وكفرهم، ولا تعجب من فساد طويتهم، وعظيم تعنتهم فتلكَ سنة الله في خليقته؛ لأنه {قد كذب رسل من قبلك}؛ أي: كذبتهم أممهم حينما {جَاءُوا} هم {بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: بالمعجزات الواضحات، {و} بـ {الزبر}؛ أي: وبالصحف المشتملة على الترغيب، والترهيب، والزواجرَ، والعظات كصحف إبراهيم، وموسى، وغيرهما، والزبير: جمع زبور، وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرت الشيء إذا حبسته، وسمي الكتاب الذي فيه الحكمة زبورًا، لأنه يزبر عن الباطل، ويدعو إلى الحق {و} بـ {الكتاب المنير}؛ أي: المضيء الذي أضاء،