وقيل:{يُؤْثَرُ}؛ أي: يختار ويرجّح على غيره من السحر، فيكون من الإيثار. ومعنى {إِلَّا سِحْرٌ}؛ أي: شبيه بالسحر. {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)} تأكيد لما قبله؛ أي: يلتقط من أقوال الناس، ويظهر أن كفر الوليد إنما هو عناد، ألا ترى ثناءه على القرآن ونفيه عنه جميع ما نسبوا إليه من الشعر والكهانة والجنون. وقصته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قرأ أوائل سورة {فصلت} إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣)}. وناشده الله بالرحم أن يسكت انتهى.
٢٦ - ثم ذكر ما يلقاه من الجزاء على سوء صنيعه وفظيع عمله، فقال:{سَأُصْلِيهِ}؛ أي: سأدخل ذلك العنيد يوم القيامة نار سقر، وأغمره فيها من جميع جهاته. قال في "الصّحاح": سقر اسم من أسماء النار. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: اسم للطبقة السادسة من جهنم، يقال: سقرته الشمس إذا آذته وآلمته، وسميت سقر لإيلامها. وقوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦)} بدل من {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧)} بدل الاشتمال سواء جعل مثلًا لما يلقى من الشدائد، أو اسم جبل من نار؛ لأنّ سقر تشتمل على كل منهما.
٢٧ - ثم بالغ في وصف النار وتعظيم شأنها، فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧)} ما (١) الأولى مبتدأ وجملة {أَدْرَاكَ} خبره، و {ما} الثانية خبر مقدم لقوله: {سَقَرَ} لأنّها المفيدة لما قصد إفادته من التهويل والتفظيع دون العكس، كما سبق في الحاقّة.
والمعنى: وأيّ شيء أعلمك يا محمد جواب {مَا سَقَرُ} في وصفها، لأنّها قد بلغت في الوصف حدًّا لا يمكن معرفته، ولا يتوصّل إلى إدراك حقيقته. يعني: أنه خارج عن دائرة إدراك العقول، ففيه تعظيم لشأنه.
٢٨ - ثم بين وصفها بقوله:{لَا تُبْقِي} لهم لحما {وَلَا تَذَرُ} لهم عظمًا، فإذا أعيد أهلها خلقًا جديدًا فلا تذرهم بل تعيد إحراقهم كرّة أخرى، وهكذا أبدًا كما جاء في الآية الأخرى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}.