للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٦ - {فَأَزَلَّهُمَا}؛ أي: أزلق آدم وحواء، ونحاهما، وأبعدهما الشيطان؛ أي: إبليس بوسوسته عَنْها؛ أي: عن الجنة؛ أي: تسبب بوسوسته ودعائه إلى أكل الشجرة في إخراجهما عن الجنة. وقيل: الضمير في عنها عائد إلى الشجرة، وعن بمعنى الباء السببية؛ أي: أوقعهما الشيطان في الزلل، والهفوة، والخطيئة بسبب الشجرة: أي: بسبب حثه إياهما على أكل الشجرة. والإزلال: الإزلاق والزلة بالفتح، الخطأ، وهو الزوال عن الصواب من غير قصد.

فإن قلت (١): إبليس كافر، والكافر لا يدخل الجنة، فكيف دخل هو؟

قلت: إنما منع من الدخول على وجه التكرمة، كما تدخلها الملائكة، ولم يمنع من الدخول للوسوسة؛ ابتلاء لآدم وحواء. وقيل: إنه دخلها على صورة دابة من دواب الجنة. وقيل: وسوس إليهما وهو خارج عنها، وهما داخلها، لكن أتوا على بابها. وقيل: غير ذلك. وقرأ حمزة، والحسن، وأبو رجاء، فأزالهما، ومعنى: الإزالة التنحية. وروي عن حمزة، وأبي عبيدة إمالة فأزالهما {فَأَخْرَجَهُما}؛ أي: تسبب إبليس في إخراجهما {مِمَّا كانا فِيهِ} من الكرامة والنعيم الواسع الذي كانا فيه في الجنة أولا، بأن قال لهما هل أدلكما على شجرة الخلد، وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين، فأكلا منها، ولم يقصد إبليس إخراج آدم من الجنة؛ وإنما قصد إسقاطه من مرتبته، وإبعاده، كما أبعد، فلم يبلغ مقصده، فقال تعالى: {فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى}.

{وَقُلْنَا} نحن لآدم، وحواء، وإبليس {اهْبِطُوا}؛ أي: انزلوا إلى الأرض، فالمأمور بالهبوط آدم، وزوجه، وإبليس، وهو المأثور عن ابن عباس، ومجاهد، وكثير من السلف، ويشهد له قوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} إذ العداوة بين الشيطان والإنسان.

وقيل: الخطاب لآدم وحواء، ورجحه الزمخشري وجمع الضمير؛ لأنهما أصلا الجنس، فكأنهما الجنس كله، ويدل له قوله تعالى في سورة طه: {اهْبِطا مِنْها جَمِيعًا} وقوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ}. وقيل: الخطاب لأربعة،


(١) روح البيان.