للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفاد له على الفاني الذي ينقطع، ومن أجل هذا أثر عن الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه قال: من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس، صُرف ذلك الثلث للمشتغلين بطاعة الله تعالى، وكأنه - رحمه الله - أخذه من هذه الآية.

قوله تعالى (١): {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا} فإن قلت: لم قاله هنا بالواو وفي الشورى بالفاء، حيث قال: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}؟ قلت: لأن ما هنا لم يتعلق بما قبله كبير تعلق، فناسب الإتيان به بالواو المقتضية لمطلق الجمع، وما هناك متعلق بما قبله أشد تعلق، لأنه عقَّب مالهم من المخافة بما لهم من الأمنة، فناسب الإتيان به بالفاء المقتضية للتعقيب.

فإن قلت: قال هنا بزيادة {وَزِينَتُهَا} وفي الشورى بحذفه؟

قلت: لأن ما هنا لسبقه قصد ذكر جميع ما بُسط من رزق أعراض الدنيا، فذكر {وَزِينَتُهَا} مع المتاع، ليستوعب جميع ذلك، إذ المتاع ما لا بد منه في الحياة، من مأكول ومشروب وملبوس ومسكن ومنكوح، والزينة ما يتجمل به الإنسان، وحذفه في الشورى اختصارًا لعلمه من المذكور هنا.

٦١ - ثم أكد ترجيح ما عند الله على ما في الدنيا من زينة فقال: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ} الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، تقديره: أمتاع الدنيا وزينتها كما عند الله، فمن وعدناه وعدًا حسنًا كمن متعناه متاع الحياة الدنيا.

وعبارة "أبي السعود" هنا: والفاء لترتيب إنكار التساوي بين أهل الدنيا وأهل الآخرة ما قبلها من ظهور التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وبين ما عند الله. اهـ، و {من} (٢) موصولة مبتدأ؛ أي: فمن وعدناه على إيمانه وطاعته {وَعْدًا حَسَنًا} هو الجنة وما فيها من النعم التي لا تُحصى، فإن حسن الوعد بحسن الموعود به.


(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.