الأول وزوجه الكريم - آدم وحواء - فزين لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها كما قال:{وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ} وهكذا يوسوس شياطين الإنس والجن لمن يجترحون السيئات ويرتكبون المعاصي، فيزينون لهم ما فيها من عظيم اللذة والتمتع بالحرية، ويمنونهم بعفو الله ورحمته، وشفاعة أنبيائه وأوليائه حتى ليترنم أحدهم بقوله:
تكثّر ما استطعت من الخطايا ... فإنك واجد ربا غفورا
{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ}؛ أي: ولو شاء ربك أن لا يفعلوا هذا الغرور .. ما فعلوا، ولكنه لم يشأ أن يغير خلقهم أو يجبرهم على خلاف ما تزينه لهم أهواؤهم، بل شاء أن يكون الإنس والجن على استعداد لقبول الحق والباطل والخير والشر، وأن يكونوا مختارين سلوك أي الطريقين كما قال: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)}.
{فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ} من الكذب ويخترعون من الإفك صرفا للناس عن سبيل الحق، وسعيا في إضلالهم وصدهم عن طريق الرشاد، وامض لشأنك كما أمرت، فعليك البلاغ وعلينا الحساب والجزاء، وسترى سنتنا فيهم وفي أمثالهم، وقد أراه عاقبة أمرهم، فأهلك المستهزئين بالقرآن، ونصره على أعدائه المشركين:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} انتهت.
١١٣ - واللام في قوله:{وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} لام كي معطوفة على مقدر معلوم من السياق على كونها علة ليوحي؛ أي: يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المموه من القول؛ ليغروا به المؤمنين من أتباع الأنبياء، فيفتنوهم عن دينهم {وَلِتَصْغى إِلَيْهِ}؛ أي: ولكي تميل إلى هذا المزخرف {أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ}؛ أي: قلوب الذين لا يصدقون بالبعث بعد الموت؛ لأنه الموافق لأهوائهم؛ إذ هم يميلون إلى حب الشهوات التي من جملتها مزخرفات الأقاويل ومموهات الأباطيل، أما الذين ينظرون إلى عواقب الأمور، فيعلمون بطلانها، فلا تغرهم تلك الزخارف، ولا تعجبهم تلك الأباطيل.
{وَلِيَرْضَوْهُ}؛ أي: وليرضى الذين لا يؤمنون بالآخرة ذلك المزخرف لأنفسهم ويحبوه لهم بعد الإصغاء إليه بلا بحث ولا تمحيص فيه. {وَلِيَقْتَرِفُوا}؛ أي: