للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا وعيد وتهديد وإن أخرج مخرج الخبر، كقوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.

٣٨ - {كُلُّ نَفْسٍ} من نفوس الإنس والجنّ المكلّفين {بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}؛ أي: مرهونة عند الله بكسبها محبوسة ثابتة. وفي بعض التفاسير: بسبب ما كسبت من الأعمال السيئة. وقيل: مأخوذة بعملها، ومرتهنة إما خلّصها أو أوبقها. من (١) رهن الشيء إذا دام وثبت، وارتهنته؛ أي: تركته مقيمًا عنده وثابتًا. والرهن: ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك، والمرتهن: هو الذي يأخذ المرهون، ونفس المكلّف محبوسة ثابتة عند الله بما أوجبه عليه من التكاليف التي هي حق خالص له تعالى، فإن أدّاها المكلّف كما وجبت عليه فك رقبته وخلص نفسه، وإلا بقيت نفسه مرهونة محبوسة عنده. وقال بعضهم: الرهينة: اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم على أن تكون التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية. وفي فتح الرحمن: التاء للمبالغة أو على تأنيث اللفظ لا على معنى الإنسان ونحوه، وليس أي: الرهينة صفة وإلا لقيل: رهين؛ لأنّ فعيلًا بمعنى مفعول لا تدخله التاء، بل يستوي فيه المذكر والمؤنث، إلا أن يحمل على ما هو بمعنى الفاعل، فإنه يؤتى في مؤنثه بالتاء كما في عكسه في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

٣٩ - {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩)} استثناء متصل (٢) من {كُلُّ نَفْسٍ} لكثرتها في المعنى. و {أَصْحَابَ الْيَمِينِ}: أهل الأعمال الصالحة من المؤمنين. أي: فإنهم فاكّون رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم كما يفك الراهن رهنه بأداء الدين.

والمعنى: أي كل نفس مرتهنة بكسبها عند الله غير مفكوكة عنه كافرة كانت أو مؤمنة عاصية أو طائعة إلا أصحاب اليمين، فإنّهم فكوا رقابهم بحسن أعمالهم كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق الذي وجب عليه.

واختلف (٣) في تعيين أصحاب اليمين. فقيل: هم الملائكة، وقيل: هم المؤمنون، وقيل: أولاد المسلمين، وقيل: الذين كانوا عن يمين آدم، وقيل: أصحاب الحق، وقيل: هم المعتمدون على الفضل دون العمل، وقيل: هم الذين


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.