للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ}؛ أي: وما جعلنا الرسل الذين أرسلناهم من قبلك إلى الأمم الماضية قبل أمتك {جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}؛ أي: لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطعام، بل جعلناهم أجسادا مثلك، يأكلون الطعام، وتعرض لهم أطوار البشر جميعًا من صحة ومرض وسرور وحزن، ونوم ويقظة، والجسد جسم الإنسان والجن والملائكة، وسيأتي الفرق بينه وبين الجسم في مباحث مفردات اللغة. وجملة {لا يأكلون الطعام} صفة لـ {جَسَدًا}. والطعام البرّ، وما يؤكل. والطعم تناول الغذاء؛ أي: (١) وما جعلناهم جسدا مستغنياً عن الأكل والشرب، بل محتاجًا إلى ذلك لتحصيل بدل ما يتحلل منه {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ}؛ أي: مخلدين لا يموتون، ولا يفنون، ولكنهم غبروا حينًا من الدهر وهم أحياء، ثم طواهم الثرى، وضمّتهم القبور؛ لأن مآل التحلّل هو الفناء لا محالة.

وخلاصة ذلك (٢): أنا جعلنا الرسل أجسامًا تتغذى حين الحياة، ثم يصير أمرها إلى الفناء بعد استيفاء آجالها, ولم نجعلهم ملائكة لا يتغذون، وما كانوا مخلدين بأجسادهم، بل يموتون كما مات الناس قبلهم وبعدهم، وإنما امتازوا عن غيرهم من سائر الناس بما يأتيهم عن الله من الوحي والزلفى عنده.

والخلود (٣) تبرّىء الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها، والمراد إمّا المكث المديد كما هو شأن الملائكة، أو الأبدي وهم معتقدون أنهم لا يموتون.

والمعنى: جعلناهم أجسادًا متغذية حائرة بالموت إلى الآخرة على حسب آجالهم لا ملائكة، ولا أجسادًا مستغنيةً عن الأغذية مصونةٌ عن التحلل كالملائكة.

٩ - وجملة قوله: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ} معطوفة على جملة محذوفة، يدل عليها


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.