للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدنيا ليتوبوا؛ لأن التوبة لا تقبل حينئذ، فالوقت وقت جزاءٍ، لا وقت عمل، وقد حقت عليهم كلمة ربهم: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.

والخلاصة: أنهم لا يعاتبون على سيئاتهم، بل يعاقبون عليها، ولا يطلب منهم الرجوع إلى ما يرضي الله سبحانه من التوبة والعمل الصالح، وذلك لانقطاع التكليف في ذلك اليوم.

٥٨ - {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد ضربنا وبينا، وأوضحنا للناس {فِي هَذَا الْقُرْآنِ} الكريم {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}؛ أي (١): من كل صفة كأنها في غرابتها كالأمثال، وذلك كالتوحيد والحشر وصدق الرسل وسائر ما يحتاجون إليه، من أمر الدين والدنيا، مما يهتدي به المتفكر، ويعتبر به الناظر المتدبر، أو المعنى: ولقد (٢) وصفنا لهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة، كالأمثال مثل صفة المبعوثين يوم القيامة، وما يقولون وما يقال لهم، وما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب، أو بينا لهم من كل مثل من الأمثال التي تدلهم على توحيد الله تعالى وعلى البعث وصدق الرسل، واحتججنا عليهم بكل حجة تدل على بطلان الشرك.

ففيه (٣): إشارة إلى إزالة الأعذار وقطعها عنهم والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار وكلمة من في قوله: {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} للتبعيض، كما في "الكرخي".

والمعنى: أي ولقد أوضحنا لهم الحق، وضربنا لهم الأمثال الدالة على وحدانية الخالق الرازق، وعلى البعث وصدق الرسول، ليستبينوا الحق ويتبعوه، لكنهم أعرضوا عن ذلك استكبارًا وعنادًا، كما أشار إلى ذلك بقوله: {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي لئن جئت كفار مكة {بِآيَةٍ} تنزيلية من آيات القرآن الناطقة بذلك، أو بآية تكوينية تدل على صدق الرسل، كالعصا واليد والناقة {لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة وغيرهم من فرط عنادهم وقساوة


(١) روح البيان.
(٢) البيضاوي.
(٣) الخازن.