للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة، هو ما وعد الله سبحانه به عباده، يصيرون إليه بعد نشورهم، وقيامهم من قبورهم.

٥٤ - ثم أخبر بأن نعيم الجنة دائم، لا يزول ولا ينقطع، فقال: {إِنَّ هَذَا} الذي ذكرناه من أنواع النعم والكرامات {لَرِزْقُنا}؛ أي: عطاؤنا أعطيناكموه. {ما لَهُ مِنْ نَفادٍ}؛ أي: ليس له انقطاع أبدًا، وفناء، وزوال؛ أي: إن هذا النعيم، وتلك الكرامة لعطاء دائم غير مجذوذ ولا منقطع، ونحو الآية قوله: {ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ}، وقوله: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}؛ أي: غير منقطع {أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها}. قال ابن عباس (٢) رضي الله عنهما: ليس لشيء نفاد، ما أكل من ثمارها خلف مكانه مثله، وما أكل من حيوانها وطيرها عاد مكانه حيًا.

وفي «التأويلات النجمية»: وبقوله: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} إلى قوله: {لِيَوْمِ الْحِسابِ} يشير إلى أن هذه الجنات بهذه الصفات مفتوحة لهم الأبواب، وأبواب الجنة بعضها مفتوحة إلى الخلق، وبعضها مفتوحة إلى الخالق لا يغلق عليهم واحد منها، فيدخلون من باب الخلق، وينتفعون بما أعد لهم فيها، ثم يخرجون من باب الخالق، وينزلون في مقعد صدق عند مليك مقتدر، لا يقيدهم نعيم الجنة ليكونوا من أهل الجنة، كما لم يقيدهم نعيم الدنيا، ليكونوا من أهل النار، بل أخلصهم من حبس الدارين، ومتعهم بنزول المنزلين، وجعلهم من أهل الله، وخاصته. {إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤) أي: هذا ما رزقناهم في الأزل، فلا نفاد له إلى الأبد، انتهى.

فعلى العاقل: الإعراض عن اللذات الفانية، والإقبال على الأذواق الباقية، فالفناء يوصل إلى البقاء، كما أن الفقر يوصل إلى الغنى. ولكل احتياج استغناء.

إِذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْتُ أَهْلِيْ ... وَهَيْهَاتَ الْغُرَابُ مَتَى يَشِيْبُ


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.