لله عَزَّ وَجلَّ، وأن كل ما يراه كمالًا من نفسه، أو من غيره، فهو من الله وبالله وإلى الله .. لم يكن حبه إلا لله وفي الله، وذلك يقتضي إرادة طاعته، والرغبة فيما يقربه إليه، فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عبادته والحرص على مطاوعته، قاله القاضي.
وقال بعضهم: إن محبة العبد لله عبارة عن: إعظامه وإجلاله وإيثار طاعته واتباع أمره ومجانبة نهيه، ومحبة الله للعبد عبارة عن: ثنائه عليه ورضاه عنه وثوابه له وعفوه عنه، فذلك قوله تعالى:{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، وقيل (١): محبة الله: معرفته ودوام خشيته ودوام اشتغال القلب به بذكره ودوام الأنس به. وقيل: علامة المحبة أن يكون دائم التفكر، كثير الخلوة، دائم الصمت، لا يبصر إذا نظر، ولا يسمع إذا نودي، ولا يحزن إذا أُصيب، ولا يصرخ إذا أصاب، ولا يخشى أحدًا، ولا يرجوه. وروي أنه لما نزل قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} الآية قال عبد الله بن أبي رئيس المنافقين لأصحابه: إن محمدًا يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه؛ كما أحبت النصارى عيسى بن مريم. فأنزل الله عزّ
٣٢ - وجلّ أمرًا لكل أحد من خاص وعام {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}؛ أي: قل لهم يا محمَّد: أطيعوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وأطيعوا رسوله باتباع سنّته، والاهتداء بهديه.
وفي هذا إرشاد إلى أن الله إنما أوجب عليكم متابعته؛ لأنه رسوله، لا كما تقول النصارى في عيسى.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: فإن أعرضوا ولم يجيبوا دعوتك غرورًا بدعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم على ملة إبراهيم {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} الذين تصرفهم أهواؤهم عن النظر الصحيح في آياته، وعما أنزله على رسوله، فلا يرضى عنهم، بل يبعدهم عن جوار قدسه وحظيرة عزته، ويسخط عليهم يوم يرضى عن المؤمنين به، المطيعين لنبيه، المتبعين لما جاء به من عند ربه، وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ